شهدت الحدود الأفغانية الباكستانية، مساء الجمعة، تصعيداً عسكرياً جديداً وتبادلاً لإطلاق النار، في خرق واضح للهدنة الهشة التي تم التوصل إليها مؤخراً بين الجانبين. واتهمت سلطات حكومة طالبان القوات الباكستانية بشن قصف مدفعي على منطقة حدودية في ولاية قندهار، مما استدعى رداً عسكرياً من الجانب الأفغاني، ليعيد هذا الحادث التوتر إلى الواجهة في واحدة من أكثر المناطق الحدودية سخونة في جنوب آسيا.
خرق الهدنة في سبين بولدك
أعلن ذبيح الله مجاهد، المتحدث باسم حكومة طالبان، عبر منصة "إكس" أن القوات الباكستانية بادرت بالهجوم مساء الجمعة على منطقة "سبين بولدك" الواقعة جنوبي قندهار. وأكد مجاهد أن هذا الهجوم اضطر قوات الإمارة الإسلامية للرد بالمثل، دون أن يقدم تفاصيل دقيقة حول حجم الخسائر البشرية أو المادية في صفوف قواته.
من جانبه، أوضح علي محمد حقمال، رئيس دائرة الإعلام في ولاية قندهار، أن الجانب الباكستاني استخدم المدفعية الثقيلة والخفيفة في القصف، مشيراً إلى سقوط قذائف هاون على منازل المدنيين في القرى الحدودية. وأكدت مصادر محلية وشهود عيان لوكالة فرانس برس أن الاشتباكات اندلعت حوالي الساعة 22:30 بالتوقيت المحلي واستمرت لنحو ساعتين قبل أن يعود الهدوء الحذر إلى المنطقة بعد اتفاق الطرفين على وقف إطلاق النار.
خلفيات التوتر وتاريخ النزاع الحدودي
لا يعد هذا الحادث معزولاً، بل يأتي ضمن سلسلة من المواجهات المتكررة التي شهدتها الأسابيع والأشهر الماضية. وتعود جذور التوتر إلى الخلافات التاريخية حول "خط ديورند"، الحدود الفاصلة بين البلدين التي رسمها الاستعمار البريطاني ولا تعترف بها كابول رسمياً، بينما تعتبرها إسلام آباد حدوداً دولية نهائية. وتفاقم الوضع مؤخراً مع اتهامات باكستانية متكررة لحكومة طالبان بالسماح لمسلحي "حركة طالبان باكستان" باستخدام الأراضي الأفغانية لشن هجمات داخل باكستان، وهو ما تنفيه كابول باستمرار.
تداعيات إغلاق المعابر وفشل الوساطات
يأتي هذا التصعيد العسكري في وقت حساس، حيث كانت الآمال معلقة على الهدنة التي تم التوصل إليها بوساطة قطرية وتركية لتهدئة الأوضاع. وقد شهد منتصف أكتوبر الماضي مواجهات دموية غير مسبوقة أسفرت عن مقتل نحو 70 شخصاً، مما أدى إلى إغلاق المعابر الحدودية الحيوية منذ 12 أكتوبر.
ويحمل استمرار التوتر تداعيات اقتصادية وإنسانية خطيرة، حيث يعد معبر "تشامان-سبين بولدك" شريان حياة تجاري رئيسي لأفغانستان الحبيسة جغرافياً، وممراً حيوياً لحركة البضائع والأفراد. ويؤدي تكرار إغلاق الحدود والقصف المتبادل إلى تكدس الشاحنات التجارية وخسائر فادحة للتجار على جانبي الحدود، فضلاً عن معاناة السكان المحليين الذين يعيشون في حالة من الخوف المستمر والنزوح القسري جراء القذائف العشوائية، كما حدث في 25 نوفمبر الماضي حين اتهمت كابول إسلام آباد بقصف أدى لمقتل مدنيين بينهم أطفال.