شهدت الأسواق العالمية للمعادن الثمينة حدثاً استثنائياً خلال تعاملات الجمعة، حيث سجلت أسعار الفضة قفزة نوعية حادة تجاوزت نسبتها 3% في المعاملات الفورية، لتصل إلى مستوى 58.99 دولاراً للأوقية. ويُعد هذا السعر هو الأعلى في تاريخ تداولات المعدن الأبيض على الإطلاق، متجاوزاً كافة المستويات القياسية السابقة، مما يعكس تحولاً جذرياً في شهية المستثمرين نحو الأصول الآمنة والمعادن الصناعية في آن واحد.
دوافع الصعود التاريخي للمعدن الأبيض
يعزو الخبراء والمحللون الاقتصاديون هذا الارتفاع الصاروخي إلى جملة من العوامل المتشابكة، يأتي في مقدمتها تنامي الطلب الاستثماري التحوطي. ففي ظل حالة "عدم اليقين" التي تكتنف المشهد الاقتصادي والجيوسياسي العالمي، يلجأ مديرو المحافظ الاستثمارية والأفراد إلى المعادن الثمينة كملاذ آمن للحفاظ على قيمة أصولهم. ولم يعد الذهب هو المستفيد الوحيد، بل أثبتت الفضة جاذبيتها العالية نظراً لسعرها المنخفض نسبياً مقارنة بالمعدن الأصفر، مما يمنحها هامش ربح محتمل أكبر.
تأثير السياسة النقدية والدولار
لعبت التوقعات المتعلقة بالسياسة النقدية الأمريكية دوراً محورياً في هذا الصعود. حيث أشارت التقارير إلى أن الأسواق تسعر احتمالية قوية لتوجه مجلس الاحتياطي الفيدرالي نحو خفض أسعار الفائدة في الفترة المقبلة. ومن المعروف اقتصادياً أن خفض الفائدة يقلل من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الأصول التي لا تدر عائداً مثل الذهب والفضة، مما يعزز من جاذبيتها.
بالتوازي مع ذلك، ساهم تراجع مؤشر الدولار الأمريكي أمام سلة العملات الرئيسية في دعم أسعار السلع المقومة بالعملة الخضراء. فعندما ينخفض الدولار، تصبح الفضة أرخص بالنسبة للمشترين حائزي العملات الأخرى، مما يرفع الطلب العالمي ويدفع الأسعار نحو مستويات قياسية جديدة.
البعد الصناعي ومستقبل الفضة
لا يمكن إغفال الجانب الصناعي عند الحديث عن الفضة، وهو ما يميزها عن الذهب. فالفضة عنصر أساسي في العديد من الصناعات الحديثة، أبرزها صناعة الألواح الشمسية (الطاقة النظيفة)، والرقائق الإلكترونية، والسيارات الكهربائية. ومع التوجه العالمي المتسارع نحو الطاقة الخضراء والتحول الرقمي، يتزايد الطلب الصناعي الحقيقي على المعدن، مما يخلق ضغطاً على المعروض ويدعم استمرار الاتجاه الصعودي للأسعار على المدى المتوسط والبعيد.
ختاماً، يمثل وصول الفضة إلى مشارف 59 دولاراً للأوقية محطة مفصلية قد تعيد رسم خريطة استثمارات المعادن الثمينة، وسط ترقب لما ستسفر عنه اجتماعات البنوك المركزية القادمة وتطورات الاقتصاد الكلي.
