في خطوة تصعيدية تُعد الأولى من نوعها بموجب التشريعات الرقمية الجديدة، فرض الاتحاد الأوروبي يوم الجمعة غرامة مالية ضخمة بلغت 120 مليون يورو على منصة التواصل الاجتماعي "إكس" (تويتر سابقاً)، المملوكة للملياردير الأمريكي إيلون ماسك. ويأتي هذا القرار ليمثل نقطة تحول حاسمة في العلاقة بين بروكسل وعمالقة التكنولوجيا في وادي السيليكون، منذراً بمرحلة جديدة من الرقابة الصارمة.
وتكتسب هذه العقوبة أهميتها لكونها أول تطبيق فعلي وعملي لقانون الخدمات الرقمية (DSA) الذي أقره الاتحاد الأوروبي قبل عامين. ويهدف هذا القانون المفصلي إلى تنظيم الفضاء الرقمي، ومكافحة المحتوى غير القانوني، وضمان شفافية الخوارزميات التي تستخدمها المنصات الكبرى. وقد جاءت الغرامة نتيجة لما وصفته المفوضية الأوروبية بانتهاك قواعد الشفافية، وليس بسبب طبيعة المحتوى المنشور، وهو تمييز دقيق حرص المسؤولون الأوروبيون على توضيحه.
الشفافية مقابل الرقابة: جدل سياسي وتقني
سارعت المفوضية الأوروبية إلى نفي أي دوافع سياسية أو رقابية خلف القرار. وفي تصريح صحفي، أكدت هينا فيركونين، مسؤولة التكنولوجيا في الاتحاد الأوروبي، أن الغرامة تتعلق حصراً بآليات الشفافية التي تتبعها المنصة. وقالت فيركونين رداً على الانتقادات: "هذا القرار يتعلق بشفافية إكس ولا علاقة له بالرقابة. إذا التزمتَ بقواعدنا، فلن نفرض عليك غرامة، الأمر بهذه البساطة".
يأتي هذا التوضيح رداً مباشراً على اتهامات سابقة وجهها جاي دي فانس، نائب الرئيس الأمريكي، الذي اعتبر أن التحركات الأوروبية قد تمس حرية التعبير، مما يشير إلى احتمالية تجدد المواجهة الدبلوماسية بين بروكسل وواشنطن، خاصة مع وجود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي تجمعه علاقة وثيقة بإيلون ماسك.
خلفية قانون الخدمات الرقمية (DSA)
لفهم سياق هذه الغرامة، يجب العودة إلى عام 2022 عندما أقر الاتحاد الأوروبي قانون الخدمات الرقمية، وهو حزمة تشريعية طموحة تفرض على المنصات الرقمية الكبرى (التي لديها أكثر من 45 مليون مستخدم نشط شهرياً في الاتحاد الأوروبي) التزامات صارمة. تشمل هذه الالتزامات تقديم تقارير دورية عن المخاطر النظامية، وتوفير بيانات للباحثين، والشفافية في الإعلانات. وتُعد منصة "إكس" واحدة من المنصات المصنفة ضمن فئة "المنصات الإلكترونية الكبيرة جداً" (VLOPs)، مما يجعلها خاضعة لأقصى درجات التدقيق.
التأثيرات المتوقعة محلياً وعالمياً
لا تقتصر تداعيات هذا القرار على الجانب المالي لمنصة "إكس" فحسب، بل تمتد لتشكل سابقة قانونية ستأخذها شركات التكنولوجيا الأخرى مثل "ميتا" (فيسبوك وإنستغرام) و"تيك توك" و"جوجل" بعين الاعتبار. يرسل الاتحاد الأوروبي رسالة واضحة مفادها أن القوانين الرقمية في القارة العجوز ليست مجرد حبر على ورق، وأن المفوضية مستعدة لاستخدام صلاحياتها لفرض غرامات قد تصل نظرياً إلى 6% من إجمالي الإيرادات السنوية العالمية للشركة المخالفة في حال تكرار الانتهاكات الجسيمة.
وعلى الصعيد الجيوسياسي، قد يؤدي هذا القرار إلى توترات تجارية عبر الأطلسي، حيث تنظر بعض الدوائر في الولايات المتحدة إلى هذه القوانين الأوروبية باعتبارها حمائية أو مقيدة للابتكار الأمريكي، بينما تصر أوروبا على أنها ضرورية لحماية الديمقراطية وسلامة المستخدمين في العصر الرقمي.
