انطلقت في العاصمة السعودية الرياض فعاليات النسخة الخامسة من “مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة 2025″، الذي تنظمه هيئة الأدب والنشر والترجمة، وسط حضور دولي لافت يضم 60 مفكراً وفيلسوفاً من مختلف قارات العالم. وتأتي هذه التظاهرة المعرفية الكبرى لترسخ مكانة المملكة العربية السعودية كمنصة عالمية رائدة لإنتاج المعرفة وإدارة الحوار الحضاري، متجاوزة الأطر التقليدية للفعاليات الثقافية.
سياق ثقافي متجدد ورؤية مستقبلية
يأتي انعقاد هذا المؤتمر في سياق الحراك الثقافي غير المسبوق الذي تشهده المملكة ضمن مستهدفات رؤية 2030، التي أولت اهتماماً خاصاً بتعزيز قطاع الثقافة والفنون والآداب. فبعد أن كانت الفلسفة غائبة لسنوات عن المشهد العام، باتت اليوم جزءاً أصيلاً من الحراك التنويري، حيث يُعد استمرار المؤتمر للعام الخامس على التوالي دليلاً على نجاح الرهان على الوعي المجتمعي والرغبة في الانفتاح على الفكر الإنساني العالمي.
ويحمل المؤتمر هذا العام شعار “الفلسفة بين الشرق والغرب”، وهو شعار يحمل دلالات عميقة في توقيت عالمي حساس، حيث يسعى المشاركون لردم الفجوة الفكرية وبناء جسور تواصل استراتيجية تناقش القضايا الإنسانية الكبرى بعيداً عن الصراعات السياسية، وبالتركيز على المشتركات القيمية والأخلاقية.
فعاليات مكثفة وحضور جماهيري واسع
تحتضن مكتبة الملك فهد الوطنية هذا الحدث الذي يشهد زخماً كبيراً يتمثل في إقامة 40 جلسة حوارية متنوعة. وتغوص هذه الجلسات في عمق المدارس الفكرية المختلفة، مناقشة تأثيراتها المتبادلة ودورها في تفسير التحولات الثقافية الراهنة. وتتوقع اللجان التنظيمية استقبال ما يقارب 7000 زائر على مدار الأيام الثلاثة، وهو رقم يعكس تحولاً ملموساً في المزاج العام وتنامي الشغف بالعلوم الإنسانية والفلسفية، خاصة بين فئة الشباب السعودي.
أهمية استعادة دور الفلسفة في العصر الرقمي
في كلمته الافتتاحية، أكد الرئيس التنفيذي للهيئة، الدكتور عبداللطيف الواصل، أن الفلسفة لا تعترف بالحدود الجغرافية بل بوحدة السؤال الإنساني. وأشار إلى أن طرح ثنائية الشرق والغرب لا يهدف إلى تعزيز الانقسام، بل للبحث عن رؤية تتجاوز الانقسامات السطحية لبناء وعي أكثر شمولاً.
ويرى الخبراء المشاركون أن العالم المعاصر، في ظل طغيان النزعة المادية وتسارع التحولات التقنية والذكاء الاصطناعي، بات في أمس الحاجة لاستعادة دور الفلسفة. فالحاجة ملحة اليوم لإعادة طرح أسئلة المعنى، وقراءة الواقع برؤية نقدية فاحصة تحمي الإنسان من الاغتراب وتعيد له توازنه النفسي والفكري.
تأثير إقليمي ودولي
يُعد هذا التجمع الفلسفي الأبرز إقليمياً، حيث يسهم بفاعلية في تقديم الفلسفات العالمية ضمن سياق تفاعلي حي. وثمن الواصل الدعم غير المحدود من القيادة الرشيدة للمشاريع المعرفية، ومتابعة وزير الثقافة المستمرة، التي جعلت من الرياض نقطة تلاقٍ حيّة للرؤى والتجارب العالمية، وعززت حضور المملكة المؤثر في المشهد الثقافي الدولي كصانع للحدث وليس مجرد مستهلك للثقافة.