في خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز الاستقلال الاقتصادي للقارة العجوز، أعلنت المفوضية الأوروبية يوم الأربعاء عن تخصيص حزمة مالية ضخمة تقارب 3 مليارات يورو. تهدف هذه الخطوة بشكل رئيسي إلى تقليص الاعتماد الأوروبي المفرط على الصين في تأمين إمدادات العناصر الأرضية النادرة والمواد الخام الحيوية، التي باتت تشكل عصب الصناعات الحديثة.
تمويل استراتيجي لقطاعات حيوية
أوضح نائب رئيس المفوضية، ستيفان سيجورنيه، في تصريحات صحفية، أن هذا التمويل لن يقتصر على جانب واحد، بل سيغطي سلسلة القيمة بأكملها. سيتم توجيه الأموال لدعم مشاريع استراتيجية تشمل عمليات الاستخراج، والتكرير، وإعادة التدوير لهذه المعادن والفلزات. وتكتسب هذه المواد أهمية قصوى لقطاعات الدفاع، وصناعة السيارات الكهربائية، والتكنولوجيا الرقمية، والطاقة المتجددة، سواء داخل دول الاتحاد الأوروبي أو بالتعاون مع الدول الشريكة.
السياق العالمي وأهمية المعادن النادرة
تأتي هذه التحركات في وقت تشهد فيه الساحة الدولية سباقاً محموماً للسيطرة على موارد المستقبل. تُعرف العناصر الأرضية النادرة بـ"نفط القرن الحادي والعشرين"، حيث لا يمكن تحقيق التحول الأخضر أو الرقمي بدونها. فهي تدخل في صناعة كل شيء تقريباً، من الهواتف الذكية والرقائق الإلكترونية إلى توربينات الرياح ومحركات السيارات الكهربائية. ويدرك الاتحاد الأوروبي أن استمرار الاعتماد شبه الكلي على بكين يشكل خطراً جيوسياسياً، خاصة في ظل التوترات التجارية العالمية.
مركز أوروبي موحد لإدارة الموارد
كجزء من الخطة الشاملة، كشفت المفوضية عن نيتها إنشاء "مركز أوروبي للمواد الخام الحيوية" ومن المتوقع أن يبدأ عمله بحلول أوائل عام 2026. وحدد سيجورنيه ثلاث مهام رئيسية لهذا المركز:
- رصد وتقييم احتياجات السوق الأوروبية بدقة.
- تنظيم عمليات الشراء المشترك نيابة عن الدول الأعضاء لتعزيز القوة التفاوضية.
- إدارة عمليات التخزين والتوزيع لضمان استمرارية الإمداد للشركات الأوروبية.
تعزيز الاقتصاد الدائري وتقييد الصادرات
لم تكتفِ بروكسل بضخ الأموال، بل تتجه لسن تشريعات حمائية. فمن المقرر أن يبدأ الاتحاد الأوروبي مطلع العام المقبل في تقييد صادرات الخردة والنفايات الناتجة عن المغناطيسات الدائمة التي تحتوي على عناصر أرضية نادرة. يهدف هذا الإجراء إلى إجبار الصناعات على إعادة تدوير هذه المواد داخل أوروبا بدلاً من تصديرها، مما يخلق مصدراً محلياً مستداماً للمواد الخام. كما تدرس المفوضية توسيع هذه القيود لتشمل نفايات الألومنيوم والنحاس.
الهيمنة الصينية والمخاوف الغربية
تسيطر الصين حالياً على غالبية احتياطيات العالم من المعادن النادرة، والأخطر من ذلك هو احتكارها شبه الكامل لعمليات التكرير والمعالجة، مما يجعل العالم رهينة لقدراتها الصناعية. وقد زادت المخاوف الأوروبية بعد أن فرضت بكين مؤخراً قيوداً على تصدير بعض المعادن الاستراتيجية مثل الغاليوم والجرمانيوم. وتأتي التحركات الأوروبية موازية لجهود الولايات المتحدة، التي تسعى هي الأخرى لتأمين سلاسل إمداد بعيداً عن النفوذ الصيني، مما يشير إلى تشكل نظام عالمي جديد يعتمد على تأمين الموارد الاستراتيجية.