في خطوة تعكس الوعي المتزايد بأهمية الصحة النفسية في عالم الرياضة الاحترافية، قرر البرتغالي روبن أموريم، المدير الفني لنادي مانشستر يونايتد الإنجليزي، السير عكس التيار السائد في العصر الرقمي. فقد أعلن المدرب الشاب ابتعاده التام عن منصات التواصل الاجتماعي والبرامج الحوارية الرياضية، معللاً ذلك برغبته في "الحفاظ على صحته" وحماية استقراره النفسي والعائلي في مواجهة طوفان الإساءات الإلكترونية، حتى وإن كلفه ذلك خسائر مادية من عقود الرعاية والإعلانات.
السياق العام: ضريبة الجلوس على مقعد "أولد ترافورد" الساخن
لا يخفى على أحد أن تدريب نادي مانشستر يونايتد يُعد إحدى أصعب الوظائف في عالم كرة القدم، نظراً للتاريخ العريق للنادي والجماهيرية الجارفة التي يتمتع بها حول العالم. ومنذ اعتزال السير أليكس فيرجسون، واجه كل من تولى هذه المهمة ضغوطاً هائلة، حيث تتحول كل خسارة أو تعثر إلى مادة دسمة للنقد اللاذع عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل. ويأتي قرار أموريم في وقت تتزايد فيه الدعوات العالمية لحماية الرياضيين والمدربين من التنمر الإلكتروني الذي أصبح ظاهرة مقلقة تهدد سلامة اللعبة.
حقائق صادمة عن الإساءة الإلكترونية في البريميرليغ
تصريحات أموريم لم تأتِ من فراغ، بل تدعمها وقائع ودراسات حديثة. فقد كشفت تحقيقات أجرتها هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في نوفمبر الماضي عن أرقام مفزعة، حيث تم رصد أكثر من ألفي رسالة شديدة العنف، تضمنت تهديدات صريحة بالقتل والاغتصاب، نُشرت ضد شخصيات بارزة في الدوري الإنجليزي الممتاز (للرجال والسيدات) خلال عطلة نهاية أسبوع واحدة فقط. هذا المناخ السام دفع أموريم للقول: "في أيامنا هذه، من الطبيعي أن تكون معرضاً لذلك في أي مهنة، لكنني لا أشاهد، أنا أحمي نفسي".
النتائج الرياضية وتأثيرها المباشر
يتولى المدرب البالغ من العمر 40 عاماً قيادة "الشياطين الحمر" في ظل ظروف كروية معقدة. فوفقاً للمعطيات الحالية، عانى الفريق من نتائج مخيبة للآمال، حيث أنهى الموسم الماضي في المركز الخامس عشر، وهو أسوأ ترتيب للنادي منذ هبوطه التاريخي في موسم 1973-1974. ورغم البداية الأفضل نسبياً هذا الموسم واحتلال الفريق للمركز السابع قبل المرحلة الرابعة عشرة، إلا أن الضغوط لا تزال مستمرة.
وفي مؤتمر صحفي عشية مواجهة وست هام، أوضح أموريم فلسفته قائلاً: "لا أشاهد التلفزيون عندما يتحدثون عن مانشستر يونايتد، ليس لأنني لا أتفق معهم، ففي كثير من الأحيان أتفق مع النقد، لكن هذه طريقتي للحفاظ على توازني". وأكد أنه لا يحتاج إلى نقد خارجي ليدرك الأخطاء، مشيراً إلى أنه "لا أحد يمكن أن يكون أكثر قسوة مني على نفسي عندما نخسر".
الأولوية لجودة الحياة والعائلة
واختتم أموريم حديثه بالتطرق إلى الجانب المادي، مؤكداً أن راحة البال لا تقدر بثمن. وقال: "بالطبع، أخسر المال من حيث الرعاية. على إنستغرام، يمكنني أن أجني الكثير، لكن بالنسبة لي، جودة حياتي وحماية عائلتي والطريقة التي يمكنني بها أن أعيش حياة طبيعية، لا تستحق بضع دولارات أو جنيهات إضافية". يعكس هذا الموقف نضجاً كبيراً ورسالة هامة للرياضيين حول العالم بأن الصحة النفسية يجب أن تكون دائماً فوق كل اعتبار مادي.