في خطوة قد تعيد تشكيل مستقبل التفاعل الرقمي والترفيه، كشف فريق من الباحثين الصينيين في مختبر “شانغهاي” للذكاء الاصطناعي بالتعاون مع جامعة “فودان”، عن ابتكار ثوري يتمثل في نظام عرض ثلاثي الأبعاد لا يتطلب ارتداء نظارات خاصة. هذا الإنجاز، الذي يعتمد بشكل أساسي على الذكاء الاصطناعي، يَعِد بتقديم تجربة بصرية غامرة وواقعية على شاشات بحجم مكتبي، مما يفتح الباب أمام تطبيقات لا حصر لها في مختلف المجالات.
خلفية تاريخية: رحلة البحث عن البعد الثالث
لم تكن فكرة العرض ثلاثي الأبعاد وليدة اللحظة، بل هي حلم راود المبتكرين لعقود. بدأت المحاولات الأولى بتقنيات بسيطة مثل نظارات “الأناجليف” (anaglyph) ذات العدسات الحمراء والزرقاء، والتي كانت تقدم عمقًا بسيطًا ولكن على حساب دقة الألوان. تطورت التقنية لاحقًا مع ظهور النظارات المستقطبة (polarized) في دور السينما، والنظارات النشطة (active shutter) في أجهزة التلفاز المنزلية، وكلاهما قدم تجربة أفضل بكثير ولكنهما اشترطا وجود نظارات خاصة، وهو ما شكّل عائقًا أمام تبنيها على نطاق واسع. ظهرت بعد ذلك محاولات لإنشاء شاشات ثلاثية الأبعاد بدون نظارات (autostereoscopic)، مثل تلك المستخدمة في جهاز Nintendo 3DS، لكنها عانت من قيود كبيرة مثل زوايا الرؤية الضيقة جدًا وانخفاض ملحوظ في الدقة، مما جعل التجربة محدودة وغير مريحة للمستخدمين.
تقنية “آيريال”: الذكاء الاصطناعي يحل المعضلة
وفقًا للدراسة المنشورة في مجلة “نيتشر” العلمية المرموقة، فإن النظام الجديد الذي يحمل اسم “آيريال” (Aerial) يتغلب على التحديات السابقة ببراعة. يحقق النظام مجال رؤية واسعًا يبلغ 100 درجة، مع الحفاظ على دقة وضوح عالية كاملة (Full HD 1920×1080). هذه الميزة تسمح للمستخدمين بالتحرك بحرية أمام الشاشة دون فقدان التأثير ثلاثي الأبعاد، وهو ما كان مستحيلًا مع التقنيات السابقة إلا على شاشات صغيرة جدًا.
يكمن سر نجاح “آيريال” في نهجها المبتكر المدعوم بالذكاء الاصطناعي. يستخدم النظام كاميرات لتتبع حركة عين المستخدم بدقة فائقة، ثم تقوم خوارزميات الذكاء الاصطناعي بتحليل هذه البيانات وتعديل الصورة المعروضة بشكل ديناميكي وفوري. يتم عرض هذه الصورة عبر هيكل فريد مكون من ثلاث طبقات من شاشات الكريستال السائل (LCD)، مما يوجه الضوء لكل عين بشكل مستقل لخلق إحساس واقعي بالعمق. وبفضل معدل تحديث يتجاوز 50 إطارًا في الثانية، تبدو الحركة سلسة وطبيعية تمامًا.
الأهمية والتأثيرات المستقبلية
يمثل هذا الابتكار قفزة نوعية قد يكون لها تأثير عميق على المستوى المحلي والدولي. محليًا، يعزز هذا الإنجاز مكانة الصين كقوة رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي وتقنيات العرض المتقدمة. أما على الصعيد العالمي، فمن المتوقع أن تحدث تقنية “آيريال” ثورة في العديد من القطاعات. في مجال الترفيه والألعاب، ستوفر تجربة غامرة لا مثيل لها. وفي مجالات التصميم الهندسي والطب، ستمكّن المهندسين والأطباء من التفاعل مع نماذج ثلاثية الأبعاد معقدة بوضوح ودقة غير مسبوقين. كما يمكن أن تكون أداة تعليمية فعالة، وتعتبر خطوة مهمة نحو تحقيق تجارب واقع افتراضي ومعزز أكثر سلاسة وواقعية دون الحاجة إلى ارتداء خوذات أو نظارات ضخمة.