أكد معالي وزير الاقتصاد والتخطيط، الأستاذ فيصل بن فاضل الإبراهيم، أن القطاع غير النفطي في المملكة العربية السعودية يسير بخطى ثابتة نحو تحقيق نمو متسارع ومستدام، متوقعاً أن تتراوح وتيرة نموه السنوية بين 4.5% و6% خلال السنوات المقبلة. جاء ذلك خلال مشاركته في جلسة حوارية ضمن “ملتقى ميزانية السعودية 2026″، حيث سلط الضوء على التحولات الهيكلية العميقة التي يشهدها الاقتصاد الوطني.
رؤية 2030: المحرك الأساسي لتنويع الاقتصاد
تأتي هذه التوقعات المتفائلة في سياق الجهود الحثيثة التي تبذلها المملكة منذ إطلاق رؤية 2030 في عام 2016، والتي تهدف بشكل أساسي إلى تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط كمحرك رئيسي للاقتصاد. تاريخياً، ارتبط الاقتصاد السعودي بشكل وثيق بأسعار النفط العالمية، مما جعله عرضة للتقلبات والتحديات الجيوسياسية. ومن هذا المنطلق، وضعت الرؤية خارطة طريق واضحة لبناء اقتصاد أكثر مرونة واستدامة، يكون فيه القطاع غير النفطي هو الركيزة الأساسية للنمو.
وأوضح الإبراهيم أن الهدف الاستراتيجي هو “ألا يكون الاقتصاد الوطني رهيناً لتذبذبات أو تقلبات سعر سلعة واحدة”، مشيراً إلى أن القطاع غير النفطي أثبت بالفعل قدرته على الحفاظ على زخم النمو حتى في فترات تباطؤ الاقتصاد العالمي وانخفاض أسعار النفط.
إنجازات ملموسة وأرقام قياسية
كشف الوزير عن تحقيق إنجازات مهمة على أرض الواقع، حيث ارتفعت مساهمة الأنشطة غير النفطية إلى مستوى قياسي بلغ 56% من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في العام الماضي. كما حقق الاقتصاد غير النفطي نمواً تراكمياً لافتاً بنحو 30% منذ عام 2016. وأشار إلى أن من أصل 81 نشاطاً اقتصادياً في القطاع غير النفطي، شهد 70 نشاطاً نمواً سنوياً بمعدل 5%، بينما حقق 37 نشاطاً منها نمواً سنوياً استثنائياً بلغ 10%، مما يعكس الديناميكية والاتساع في قاعدة الاقتصاد السعودي الجديد.
ملامح المرحلة المقبلة: الكفاءة، القطاع الخاص، والذكاء الاصطناعي
حدد الإبراهيم ثلاثة ملامح رئيسية سترسم مستقبل الاقتصاد في المرحلة المقبلة:
- كفاءة الإنفاق: الانتقال من مرحلة “الإنجاز بأي تكلفة” إلى مرحلة “الإنجاز بالتكلفة الصحيحة”، مما يعظم الأثر الاقتصادي للمشاريع الحكومية ويفتح المجال بشكل أكبر لمشاركة القطاع الخاص.
- تمكين القطاع الخاص: توجيه السياسات نحو بناء شراكات حقيقية وطويلة الأمد مع القطاع الخاص، ليكون شريكاً أساسياً في التنمية ويقود عجلة النمو المستدام.
- الذكاء الاصطناعي كمسرّع للنمو: التركيز على تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي ليس فقط لرفع الإنتاجية، بل أيضاً لجذب الاستثمارات العالمية والمواهب المتخصصة، مما يجعل المملكة مركزاً للابتكار والتقنيات المتقدمة في قطاعات حيوية مثل الطاقة والصحة.
الأثر المحلي والإقليمي والدولي
إن هذا التحول لا يقتصر تأثيره على الداخل السعودي، بل يمتد ليشمل المنطقة والعالم. فعلى الصعيد المحلي، يساهم نمو القطاع غير النفطي في خلق وظائف نوعية للمواطنين، وتعزيز ريادة الأعمال، وتحسين جودة الحياة. إقليمياً، ترسخ المملكة مكانتها كقوة اقتصادية رائدة ومستقرة في الشرق الأوسط، مما يجذب الاستثمارات ورؤوس الأموال. أما دولياً، فتتحول السعودية من كونها مجرد مصدر رئيسي للطاقة إلى شريك استراتيجي في الاقتصاد العالمي الجديد، ومركز لوجستي وسياحي وتقني جاذب.