مقدمة: التزام راسخ برعاية شاملة
تزامناً مع اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة، الذي يوافق الثالث من ديسمبر من كل عام، تسلط المملكة العربية السعودية الضوء على جهودها المستمرة لخدمة هذه الفئة الغالية، وهو التزام لا يقتصر على مجرد توفير الخدمات، بل يمتد ليشمل التمكين والدمج الكامل في نسيج المجتمع. ويتجلى هذا الاهتمام في أقدس بقاع الأرض، المسجد الحرام والمسجد النبوي، حيث تعمل المملكة على ضمان أن تكون التجربة الروحانية لضيوف الرحمن من ذوي الإعاقة ميسرة، وآمنة، ومفعمة بالسكينة والخشوع.
إطار تشريعي ورؤية وطنية داعمة
لم تكن هذه الخدمات وليدة اللحظة، بل هي نتاج رؤية استراتيجية وإطار تشريعي متكامل. ففي خطوة محورية، صدر قرار مجلس الوزراء رقم (266) بتاريخ 27/5/1439هـ، بتأسيس “هيئة رعاية الأشخاص ذوي الإعاقة”، لتكون المظلة الرسمية التي توحد الجهود وتضع السياسات والاستراتيجيات لضمان حقوقهم. وتعزز هذا التوجه بصدور المرسوم الملكي رقم م/27 بتاريخ 11/2/1445هـ، بالموافقة على “نظام حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة”، الذي أرسى قاعدة قانونية صلبة لحماية حقوقهم وتعزيز الخدمات المقدمة لهم. تندرج هذه الجهود ضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030، التي تضع تحسين جودة حياة جميع المواطنين والمقيمين، بمن فيهم الأشخاص ذوي الإعاقة، في صميم أولوياتها.
خدمات متكاملة في المسجد الحرام: رحلة إيمانية بيسر وسهولة
تتولى الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي تقديم حزمة من الخدمات النوعية التي تبدأ منذ لحظة وصول قاصدي البيت العتيق من ذوي الإعاقة:
- سهولة الوصول والتنقل: تم تجهيز ساحات ومداخل المسجد الحرام بمنحدرات ومسارات خاصة مزودة بعلامات إرشادية واضحة. كما توفر مبادرة “حفاوة” عربات “قولف” ترددية لنقلهم من الساحات الخارجية إلى نقاط الدخول الرئيسية.
- أداء المناسك: خُصصت مسارات محددة في صحن المطاف والمسعى لتسهيل حركة كبار السن وذوي الإعاقة، مع توفير الآلاف من العربات اليدوية والكهربائية المجانية لخدمتهم.
- مصليات مجهزة بالكامل: تم تخصيص ثلاثة مصليات للرجال وثلاثة للنساء في مواقع يسهل الوصول إليها، مثل توسعة الملك فهد. هذه المصليات ليست مجرد أماكن للصلاة، بل هي مجهزة بوسائل مساندة متكاملة تشمل أدوات التيمم، والمصاحف المكتوبة بلغة “برايل” للمكفوفين، والمصاحف المزودة بقلم قارئ، والعصي الخاصة بفاقدي البصر.
- التواصل الفعال: يتواجد في المسجد الحرام مترجمون ومترجمات مؤهلون للغة الإشارة لترجمة خطب الجمعة والدروس العلمية وحلقات الذكر، مما يضمن وصول الرسالة الدينية للجميع دون عوائق.
رعاية استثنائية في المسجد النبوي: بيئة إيمانية شاملة
على غرار المسجد الحرام، تقدم وكالة العناية بشؤون المسجد النبوي خدمات شاملة لضمان راحة الزوار من ذوي الإعاقة:
- مصليات وغرف خاصة: تم تجهيز 10 مصليات موزعة في توسعات المسجد النبوي المختلفة. ولأول مرة، تم تخصيص غرفة خاصة للصم والبكم بسعة 100 شخص، تتيح لهم متابعة خطبة الجمعة مترجمة بلغة الإشارة.
- مرافق مهيأة: تشمل الخدمات الميدانية مواقف سيارات مخصصة، وتوفير أكثر من 2500 عربة مجانية. كما تم استحداث مصاعد كهربائية لنقلهم إلى سطح المسجد، وتصميم مزلقانات عند المداخل، وتجهيز دورات مياه خاصة بهم في جميع المرافق.
الأهمية والتأثير: رسالة إنسانية من قلب العالم الإسلامي
إن هذه الجهود تتجاوز مجرد تقديم خدمة، فهي تحمل أبعاداً أعمق؛ فعلى الصعيد المحلي، تعزز هذه المبادرات من التكافل الاجتماعي وتؤكد على قيم المملكة الإنسانية. أما على الصعيدين الإقليمي والدولي، فإنها تقدم نموذجاً رائداً في إدارة الأماكن المقدسة بما يضمن شمولية الخدمة لجميع المسلمين حول العالم، وترسل رسالة قوية بأن المملكة، بصفتها خادمة الحرمين الشريفين، ملتزمة بتوفير بيئة إيمانية آمنة وميسرة للجميع دون تمييز، مما يعزز مكانتها كقلب نابض للعالم الإسلامي.
