في خطوة دبلوماسية هامة، أعلنت الرئاسة البرازيلية عن اتفاق الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا ونظيره الأمريكي جو بايدن على تعزيز التعاون الثنائي لمكافحة الجريمة المنظمة. جاء هذا الاتفاق خلال اتصال هاتفي جرى بين الزعيمين، مؤكداً على بداية مرحلة جديدة من التنسيق الأمني بين أكبر اقتصادين في الأمريكتين.
خلفية تاريخية وتحديات مشتركة
يأتي هذا التقارب في وقت تواجه فيه البرازيل تحديات أمنية متصاعدة من قبل منظمات إجرامية عابرة للحدود، والتي لم تعد تقتصر أنشطتها على الداخل البرازيلي بل امتدت لتشكل شبكات دولية معقدة. منظمات مثل “القيادة الأولى للعاصمة” (PCC) و”القيادة الحمراء” (Comando Vermelho)، التي نشأت في سجون ساو باولو وريو دي جانيرو، تطورت لتصبح مؤسسات إجرامية ضخمة تسيطر على طرق تهريب المخدرات والأسلحة وغسيل الأموال في جميع أنحاء أمريكا الجنوبية. وقد أصبحت البرازيل نقطة عبور رئيسية للكوكايين المنتج في دول الأنديز (مثل كولومبيا وبيرو وبوليفيا) في طريقه إلى الأسواق المربحة في أوروبا وأمريكا الشمالية.
العلاقات بين الولايات المتحدة والبرازيل شهدت تحولات خلال السنوات الأخيرة، ويمثل هذا الاتصال بين لولا وبايدن إعادة تأكيد على الشراكة الاستراتيجية، خاصة في الملفات التي تتطلب تنسيقاً دولياً. وتدرك الإدارة الأمريكية أن استقرار البرازيل وأمريكا اللاتينية يعتمد بشكل كبير على القدرة على كبح جماح هذه المنظمات التي تهدد سيادة القانون والديمقراطية في المنطقة.
أهمية الاتفاق وتأثيره المتوقع
خلال المكالمة التي استمرت قرابة 40 دقيقة، شدد الرئيس لولا على “الحاجة الملحة لتعزيز التعاون مع الولايات المتحدة”، لا سيما في الجانب المالي والاستخباراتي. وأشار إلى العمليات الأخيرة التي نفذتها السلطات البرازيلية بهدف “شل الجريمة المنظمة ماليًا”، مثل تفكيك شبكة لغسيل الأموال تابعة لعصابة “القيادة الأولى للعاصمة” كانت تعمل في قطاع الوقود. من جانبه، أعرب الرئيس بايدن عن “استعداد كامل للعمل مع البرازيل” لمواجهة هذه التحديات.
على الصعيد المحلي، يُتوقع أن يساهم هذا التعاون في تزويد البرازيل بتقنيات وخبرات متقدمة في مجال تتبع الأموال ومشاركة المعلومات الاستخباراتية، مما قد يؤدي إلى عمليات أكثر دقة وفعالية ضد قادة الشبكات الإجرامية بدلاً من المواجهات العنيفة في الأحياء الفقيرة التي غالباً ما تسفر عن خسائر بشرية فادحة. أما على الصعيد الإقليمي والدولي، فإن تفكيك هذه الشبكات سيؤثر بشكل مباشر على خطوط الإمداد العالمية للمخدرات. فالعلاقة الموثقة بين عصابة “القيادة الأولى للعاصمة” ومافيا “ندرانغيتا” الإيطالية، على سبيل المثال، تسلط الضوء على البعد العالمي لهذه المشكلة، مما يجعل التعاون الأمريكي البرازيلي حجر زاوية في أي استراتيجية دولية فعالة لمكافحة الجريمة المنظمة.
يمثل هذا الاتفاق خطوة استراتيجية نحو بناء جبهة موحدة ضد التهديدات الأمنية المشتركة. وبينما تظل التحديات كبيرة، فإن التزام قائدي أكبر دولتين في نصف الكرة الغربي بالعمل معاً يبعث برسالة قوية مفادها أن عصر المواجهة المنفردة للجريمة العابرة للحدود قد ولى، وأن المستقبل يكمن في التعاون الاستخباراتي والعملياتي المشترك لضمان أمن واستقرار المنطقة والعالم.