في تأكيد جديد على الدور الريادي الذي تلعبه المملكة العربية السعودية على الساحة الدولية، شدد معالي رئيس هيئة الرقابة ومكافحة الفساد (نزاهة)، الأستاذ مازن بن إبراهيم الكهموس، على الالتزام الراسخ والثابت للقيادة الرشيدة بمكافحة الفساد بجميع أشكاله، ومحاسبة كل من يتورط فيه دون تهاون. جاء ذلك خلال مشاركة المملكة في المؤتمر العالمي الثاني لتسخير البيانات من أجل تحسين قياس الفساد، الذي يُعقد في مقر الأمم المتحدة بنيويورك، بتنظيم مشترك بين “نزاهة” وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC) والأكاديمية الدولية لمكافحة الفساد (IACA).
خلفية تاريخية: مكافحة الفساد كركيزة أساسية في رؤية 2030
لم تكن جهود المملكة في مكافحة الفساد وليدة اللحظة، بل هي جزء لا يتجزأ من تحول وطني شامل انطلق مع إعلان رؤية المملكة 2030. أدركت القيادة السعودية أن تحقيق أهداف الرؤية الطموحة، المتمثلة في تنويع الاقتصاد وتعزيز الاستثمارات وجذب الكفاءات، يتطلب بيئة عمل شفافة وعادلة وخالية من الفساد. ومن هذا المنطلق، شهدت المملكة إصلاحات هيكلية واسعة، كان من أبرزها إعادة تشكيل هيئة الرقابة ومكافحة الفساد ومنحها صلاحيات واسعة لضمان تطبيق مبدأ المساءلة على الجميع. وقد أرسلت الحملات التي قادتها الهيئة في السنوات الأخيرة رسالة واضحة مفادها أنه لا أحد فوق القانون، مما عزز ثقة المواطنين والمستثمرين في جدية الدولة نحو بناء اقتصاد حديث ومستدام.
أهمية الحدث وتأثيره المتوقع
يأتي هذا المؤتمر العالمي كمحطة مهمة في مسار الجهود الدولية، حيث استعرض الكهموس الدور المحوري للمملكة في تطوير مبادرات قياس الفساد، مشيراً إلى أن القياس الدقيق للظاهرة هو الأساس لوضع سياسات فعالة ومبنية على الأدلة. وتبرز أهمية هذا الدور في مبادرات رائدة مثل “مبادئ فيينا نحو منهجية عالمية لقياس الفساد”، التي تبنتها المملكة وساهمت في إدراجها ضمن قرارات مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
على الصعيد المحلي، تنعكس هذه الجهود إيجاباً على تحسين بيئة الأعمال، وزيادة كفاءة الإنفاق الحكومي، وضمان وصول الخدمات العامة للمواطنين بجودة عالية. أما على الصعيدين الإقليمي والدولي، فإن قيادة المملكة لهذه المبادرات تعزز من مكانتها كشريك دولي موثوق، وتساهم في وضع معايير عالمية للشفافية والحوكمة، الأمر الذي يشجع على تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة ويقوي استقرار النظام المالي العالمي.
شراكات دولية لترسيخ النزاهة العالمية
شهد المؤتمر، الذي انطلقت أعماله بمشاركة أكثر من 100 دولة و22 منظمة دولية مرموقة كالبنك الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، تدشين مؤشرات جديدة لقياس فاعلية جهود مكافحة الفساد. وناقشت الجلسات رفيعة المستوى دور قياس الفساد في دعم الإصلاحات الدولية، بمشاركة ممثلين عن صندوق النقد الدولي ومنظمة الشفافية الدولية ومعهد بازل للحوكمة.
إن مشاركة المملكة الفاعلة وتنظيمها المشترك لهذا الحدث العالمي لا يمثلان مجرد حضور دبلوماسي، بل هما امتداد لمبادرة “نزاهة العالمية لقياس الفساد” التي أطلقتها الهيئة بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وبذلك، تواصل المملكة البناء على ما تم تحقيقه في الدورة الأولى للمؤتمر في فيينا عام 2023، دافعةً نحو تطوير سياسات أكثر تأثيراً في قياس الفساد وترسيخ مبادئ الشفافية والنزاهة على المستوى العالمي.