إصلاحات تنظيمية لتعزيز الشفافية والعدالة
في خطوة تنظيمية فارقة تهدف إلى تعزيز بيئة الأعمال وترسيخ مبادئ الشفافية والعدالة، طرح المركز الوطني للتفتيش والرقابة في المملكة العربية السعودية مسودة إطار تنظيمي شامل لحوكمة إجراءات الاعتراض على المخالفات. يأتي هذا الإطار، الذي تم عرضه عبر منصة «استطلاع» لأخذ مرئيات العموم، لينهي حقبة من الاجتهادات الفردية والتباين في الإجراءات بين الجهات الحكومية المختلفة، ويؤسس لمرحلة جديدة من الوضوح المؤسسي وحماية حقوق الأفراد والمنشآت.
السياق العام ضمن رؤية المملكة 2030
يندرج هذا التحول التنظيمي في صميم مستهدفات رؤية المملكة 2030، التي تضع تحسين البيئة الاستثمارية ورفع كفاءة الأجهزة الحكومية على رأس أولوياتها. فلطالما شكل غياب إطار موحد للاعتراضات تحدياً للمستثمرين وأصحاب الأعمال، حيث كانت الإجراءات تختلف من جهة لأخرى، مما يخلق حالة من عدم اليقين ويطيل أمد حل النزاعات. ويهدف التنظيم الجديد إلى معالجة هذه المشكلة جذرياً عبر توحيد القواعد وتوفير مسار نظامي واضح ومحدد زمنياً، مما يعزز من ثقة المستثمرين المحليين والدوليين في النظام الرقابي السعودي.
أبرز ملامح الإطار التنظيمي الجديد
ألزمت القواعد المقترحة جميع الجهات الحكومية بتشكيل لجان متخصصة ومستقلة للنظر في التظلمات، بقرار من الوزير أو رئيس الجهة. ولضمان أقصى درجات الحياد والكفاءة، اشترط التنظيم أن تتألف كل لجنة من ثلاثة أعضاء على الأقل، من بينهم خبير قانوني، وخبير فني متخصص في النشاط محل الرقابة، بالإضافة إلى عضو مستقل. ولتعزيز ضمانات الاستقلالية، شددت القواعد على أن يكون رئيس اللجنة ونائبه مستقلين تماماً عن الإدارة التي قامت بضبط المخالفة، مع منح المعترض الحق في طلب تنحية أي عضو في حال وجود تعارض في المصالح.
آليات زمنية واضحة وإجراءات رقمية
حدد الإطار الجديد آليات زمنية صارمة، حيث منح المعترضين مهلة 60 يوماً لتقديم طلباتهم إلكترونياً من تاريخ التبليغ بالمخالفة. وفي المقابل، ألزم اللجان بالبت في الاعتراض وإصدار قرار مسبب خلال 15 يوماً فقط من تاريخ اكتمال الطلب، مع إمكانية التمديد لمرة واحدة فقط. واعتبرت القواعد أن عدم رد اللجنة خلال المدة المحددة يعد بمثابة «رفض ضمني» للاعتراض، مما يفتح الباب أمام المتضرر للجوء مباشرة إلى القضاء الإداري، في خطوة تهدف إلى تسريع الإجراءات ومنع المماطلة.
التأثير المتوقع على بيئة الأعمال
من المتوقع أن يكون لهذا الإطار التنظيمي تأثير إيجابي عميق على المستويين المحلي والدولي. فعلى الصعيد المحلي، سيسهم في خلق بيئة أعمال أكثر استقراراً وجاذبية، ويقلل من التكاليف والوقت المرتبطين بالنزاعات التنظيمية. أما على الصعيد الدولي، فإن هذه الخطوة تعزز من سمعة المملكة كوجهة استثمارية آمنة تلتزم بأفضل الممارسات العالمية في الحوكمة والشفافية، مما قد ينعكس إيجاباً على تصنيفها في مؤشرات سهولة ممارسة الأعمال العالمية. كما يمثل هذا التنظيم نقلة نوعية نحو التحول الرقمي الكامل، حيث ستتم جميع الإجراءات عبر «المنصة الوطنية للتفتيش والرقابة»، مما يضمن السرعة والدقة ويقلص هوامش الخطأ البشري.