إنجاز سعودي رائد في الاقتصاد الدائري
في خطوة تمثل قفزة نوعية نحو تحقيق الاستدامة والاقتصاد الدائري، نجح فريق من الباحثين في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية “كاوست” في تطوير عملية مبتكرة لتحويل مخلفات صناعة الشوكولاتة إلى منتج ذي قيمة اقتصادية عالية. يعتمد هذا الإنجاز على اكتشاف خاصية فريدة في سلالة قديمة من الطحالب، مما يفتح آفاقًا جديدة لإعادة تدوير النفايات الصناعية بطرق صديقة للبيئة ومجدية اقتصاديًا.
السياق العام: تحدي هدر الطعام العالمي
يُعد هدر الطعام والمخلفات الصناعية الغذائية أحد أكبر التحديات التي تواجه العالم اليوم. وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، يتم هدر ما يقرب من ثلث الأغذية المنتجة عالميًا، مما لا يتسبب فقط في خسائر اقتصادية فادحة، بل يساهم أيضًا بشكل كبير في انبعاثات غازات الدفيئة وتدهور البيئة. وفي هذا السياق، تكتسب الحلول المبتكرة التي تركز على “تثمين النفايات” (Waste Valorization) أهمية قصوى، حيث تهدف إلى تحويل ما كان يُعتبر عبئًا إلى مورد ثمين، وهو ما يقع في صميم مفهوم الاقتصاد الدائري الذي تسعى المملكة العربية السعودية لتبنيه كجزء من رؤية 2030.
تفاصيل الابتكار: طحالب Galdieria تحول النفايات إلى كنز
أوضحت الدراسة، التي نُشرت في المجلة العلمية المرموقة (Trends in Biotechnology)، أن سلالة من الطحالب الحمراء تُعرف باسم (Galdieria yellowstonesis) لديها القدرة على استهلاك السكريات الموجودة بكثرة في مخلفات تصنيع الشوكولاتة. ومن خلال هذه العملية الحيوية، تنتج الطحالب كتلة حيوية غنية بالبروتين تحتوي على صبغة (C-phycocyanin)، وهي صبغة زرقاء طبيعية نادرة وثمينة. تُستخدم هذه الصبغة في مجموعة واسعة من التطبيقات تشمل الصناعات الغذائية، ومستحضرات التجميل، والمنتجات الدوائية، مما يجعلها سلعة مرغوبة في السوق العالمي. ومن المتوقع أن تتجاوز القيمة السوقية لهذه الصبغة 275 مليون دولار أمريكي بحلول عام 2030.
أهمية الاكتشاف وتأثيره المتوقع
يحمل هذا البحث أهمية متعددة الأبعاد. محليًا، يتماشى هذا الابتكار بشكل مباشر مع أهداف رؤية السعودية 2030، التي تركز على تنويع الاقتصاد بعيدًا عن النفط وتعزيز الاستدامة والابتكار. ومن خلال استخدام المخلفات المتوفرة محليًا من مصانع الأغذية، يمكن إنشاء صناعات جديدة عالية التقنية، وتوفير فرص عمل، وتقليل البصمة البيئية للقطاع الصناعي في المملكة. إقليميًا، يقدم هذا النموذج حلًا يمكن تطبيقه في دول المنطقة التي تواجه تحديات مماثلة في إدارة النفايات. دوليًا، يساهم هذا الإنجاز في الجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ من خلال تقديم بدائل طبيعية ومستدامة للأصباغ الصناعية. ومما يزيد من أهمية الاكتشاف هو ملاحظة أن المستويات المرتفعة من ثاني أكسيد الكربون، وهو من المخلفات الصناعية الشائعة، تعزز نمو هذه الطحالب، مما يعني إمكانية دمج عملية التقاط الكربون في دورة الإنتاج.
مستقبل واعد ومزايا تنافسية
أكد البروفيسور كايل لورسن، المؤلف الرئيس للدراسة، أن هذا النهج لا يقتصر على كونه مستدامًا فحسب، بل يتميز أيضًا بجدوى اقتصادية كبيرة. فالطريقة الجديدة المعتمدة على طحالب (Galdieria) تتيح خفضًا كبيرًا في تكاليف الإنتاج مقارنة بالطرق التقليدية التي تستخدم البكتيريا الزرقاء. كما أن البيئة الحارة والحمضية التي تنمو فيها هذه الطحالب تقلل من خطر التلوث الميكروبي، مما يزيد من كفاءة الإنتاج. يخطط الفريق البحثي الآن لتوسيع نطاق العملية بالتعاون مع شركاء صناعيين في المملكة، مما يمهد الطريق لتحويل المزيد من الشركات نحو نموذج اقتصاد الكربون الدائري الفعال.