في خطوة تعكس عمق أزمة المياه التي تضرب إيران، أعلنت السلطات الإيرانية عن توقف كامل لعمليات توليد الكهرباء في سد الكرخة، الذي يُعد أحد أكبر السدود في البلاد والشرق الأوسط. ويأتي هذا القرار نتيجة الانخفاض الحاد والخطير في منسوب المياه بخزان السد، مما يهدد بتفاقم أزمة الطاقة والمياه في مناطق واسعة من البلاد.
وصرح أمير محمودي، مدير سد الكرخة ومحطة الكهرباء التابعة له، بأن وحدات توليد الطاقة قد خرجت بالكامل عن الخدمة. وأوضح في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية (إرنا) أن “منسوب المياه الحالي في الخزان يبلغ 180 مترًا، وهو أقل بنحو 40 مترًا عن المنسوب الطبيعي اللازم لتشغيل التوربينات وتوليد الكهرباء”. وأضاف أن حجم المياه المخزنة حاليًا يبلغ حوالي مليار متر مكعب فقط، وهو جزء ضئيل من السعة التخزينية الإجمالية للسد، مما استدعى إطلاق المياه من الصمامات السفلية لتلبية الاحتياجات المائية الأساسية للمواطنين والزراعة.
السياق التاريخي وأهمية سد الكرخة
يُعد سد الكرخة، الذي تم تدشينه في عام 2001 على نهر الكرخة بمحافظة خوزستان جنوب غرب إيران، مشروعًا استراتيجيًا ذا أهمية قصوى. فهو ليس فقط أكبر سد ترابي في إيران، بل يلعب دورًا محوريًا في دعم قطاعين حيويين: الطاقة والزراعة. فبالإضافة إلى قدرته على توليد الكهرباء، يوفر السد مياه الري لمئات الآلاف من الهكتارات من الأراضي الزراعية في محافظة خوزستان، التي تعتبر سلة غذاء رئيسية لإيران. وبالتالي، فإن أي خلل في عمل السد ينعكس مباشرة على الأمن المائي والغذائي والطاقوي للبلاد.
تأثيرات أزمة الجفاف وتداعياتها
يأتي توقف محطة الكرخة في سياق موجة جفاف غير مسبوقة تعد الأشد التي تشهدها إيران منذ أكثر من ستة عقود. وتشير التقارير الرسمية إلى انخفاض معدلات هطول الأمطار بنسبة تصل إلى 90% في بعض المناطق مقارنة بالمتوسط طويل الأمد. وقد أدت هذه الظروف المناخية القاسية إلى انحسار مستويات المياه في معظم الخزانات والسدود الإيرانية إلى مستويات حرجة، مما دفع السلطات إلى اتخاذ إجراءات طارئة مثل قطع إمدادات المياه بشكل دوري لترشيد الاستهلاك، وإطلاق عمليات تلقيح السحب، وحتى إقامة صلاة الاستسقاء في المدن.
إن تداعيات هذه الأزمة تتجاوز انقطاع التيار الكهربائي. فعلى الصعيد المحلي، يواجه المزارعون في خوزستان خطر تلف محاصيلهم وفقدان مصدر رزقهم، مما قد يؤدي إلى تفاقم التوترات الاجتماعية التي شهدتها المحافظة في السنوات الماضية بسبب نقص المياه. وعلى الصعيد الوطني، يضع هذا الوضع ضغوطًا إضافية على الاقتصاد الإيراني المنهك بالفعل. أما على المستوى الدولي، فإن ما يحدث في إيران هو نموذج صارخ لتأثيرات تغير المناخ على الموارد المائية والبنية التحتية الحيوية، وهو تحدٍ مشترك يواجه العديد من دول المنطقة والعالم.