النهام: المعالج النفسي وقائد سفن الغوص في تراث الخليج

اكتشف الدور الخفي للنهّام في رحلات الغوص على اللؤلؤ. لم يكن مجرد مغنٍّ، بل ركيزة نفسية وقائدًا ينظم العمل الشاق ويحافظ على روح الفريق في تراث الخليج البحري.
نوفمبر 29, 2025
7 mins read
النهام: المعالج النفسي وقائد سفن الغوص في تراث الخليج

دور محوري يتجاوز الغناء والترفيه

كشف النهّام أحمد بحر عن الأبعاد العميقة والخفية لدور «النهّام» في التراث البحري لمنطقة الخليج العربي، مؤكداً أن صورته النمطية كمؤدٍ للمواويل البحرية لا تمثل سوى جزء بسيط من مهامه الحيوية. فالنهّام، بحسب بحر، كان بمثابة «المعالج النفسي» الذي يمتص ضغوط البحّارة ويحافظ على توازنهم الذهني، و«القائد الميداني» الذي يضبط إيقاع العمل الجماعي الشاق على ظهر السفينة، خاصة في رحلات الغوص الطويلة التي كانت تمتد لأكثر من أربعة أشهر متواصلة.

سياق تاريخي: الغوص كشريان حياة الخليج

قبل اكتشاف النفط، شكل الغوص بحثاً عن اللؤلؤ العمود الفقري لاقتصاد المجتمعات الساحلية في الخليج. كانت رحلات الغوص، المعروفة بـ«السفر»، ملحمة من الكفاح الإنساني ضد قسوة الطبيعة. يعيش البحارة، الذين قد يصل عددهم على متن السفن التقليدية مثل «البتيل» إلى 40 بحاراً، في مساحة محدودة لأشهر، يواجهون حرارة الصيف الحارقة، وشح الموارد، وأخطار البحر، بالإضافة إلى العزلة عن الأهل والوطن. في هذا السياق المشحون بالتوتر والمشقة، لم يكن وجود النهّام ترفاً، بل ضرورة قصوى لضمان استمرارية الرحلة ونجاحها.

النهّام: صمام الأمان النفسي وقائد الإيقاع

أوضح بحر أن مهمة النهّام تتعدى الطرب، لتصل إلى كونه ركيزة أساسية للصحة النفسية للطاقم. فصوته كان أداة فعّالة لتفريغ الشحنات السلبية، وتعديل المزاج العام، وامتصاص الإرهاق الجسدي والذهني الهائل. وأشار إلى أن وجوده على متن السفينة كان يمثل أولوية، لدرجة أن البحّارة كانوا يسألون عن هوية النهّام المرافق قبل سؤالهم عن «النوخذة» (قبطان السفينة) أحياناً، لإدراكهم أن صوته هو مصدر الدعم المعنوي الذي سيخفف عنهم وطأة الغربة ومشقة العمل. كما يمارس النهّام دوراً قيادياً في توجيه العمل العضلي؛ فلكل حركة إيقاعها الخاص، حيث يصدح بفن «الخطفة» عند رفع الأشرعة لتوحيد قوة السحب، بينما يستخدم فنون «اليامال» و«الدواري» لتنظيم الجهد الجماعي، محوّلاً التعب إلى طاقة منتجة ومنسجمة.

أهمية ثقافية وتراثية باقية

يتعاظم الدور الحيوي للنهّام بشكل خاص في موسم «غوص العود»، أطول مواسم الغوص الذي يستمر 4 أشهر و10 أيام في قيظ الصيف. ومع انحسار مهنة الغوص، تحولت أغاني وفنون النهّام، المعروفة بـ«الفجري»، إلى أيقونة تراثية خالدة. اليوم، يمثل هذا الفن جزءاً أصيلاً من الهوية الثقافية لدول الخليج، وتُبذل جهود كبيرة للحفاظ عليه من خلال المهرجانات والفعاليات التراثية، لتعريف الأجيال الجديدة بهذا الموروث الذي يروي قصة كفاح الأجداد وتكاتفهم في مواجهة مصاعب الحياة في البحر.

اترك تعليقاً

Your email address will not be published.

زراعة 39 نوع نباتي محلي في الحدود الشمالية ضمن السعودية الخضراء
Previous Story

زراعة 39 نوع نباتي محلي في الحدود الشمالية ضمن السعودية الخضراء

أزمة إيرباص A320: إجراءات شركات الطيران السعودية لضمان السلامة
Next Story

أزمة إيرباص A320: إجراءات شركات الطيران السعودية لضمان السلامة

Latest from الثقافة

أذهب إلىالأعلى