أسدل الستار على فعاليات مهرجان الغناء بالفصحى في نسخته المميزة لهذا العام، بليلة ختامية استثنائية على مسرح مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء)، كان نجمها الأبرز قيصر الأغنية العربية الفنان كاظم الساهر. قدم الساهر أمسية فنية راقية، مزجت بين فخامة القصيدة العربية وعمق الألحان، وسط تفاعل جماهيري غفير أثبت أن للشعر والموسيقى الراقية مكانة خاصة في قلوب الجمهور السعودي.
إحياء التراث وتكريم اللغة العربية
يأتي مهرجان الغناء بالفصحى ليس فقط كحدث فني، بل كمشروع ثقافي متكامل يهدف إلى إعادة إحياء هذا اللون الغنائي الأصيل الذي شكّل وجدان أجيال عربية. تاريخيًا، ارتبط الغناء بالفصحى بعمالقة الفن مثل أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفيروز، الذين قدموا روائع خالدة من قصائد كبار الشعراء. ويسعى المهرجان اليوم، في سياق التحولات الثقافية التي تشهدها المملكة ضمن رؤية 2030، إلى إعادة ربط الجيل الجديد بهذا الإرث الفني العظيم، وتقديمه برؤية معاصرة تحافظ على جوهره وقيمته.
ليلة القيصر: رحلة في عالم الشعر والموسيقى
في الليلة الختامية، قاد كاظم الساهر، الذي يُعد أحد أهم رموز الغناء بالفصحى في العصر الحديث، الجمهور في رحلة سمعية وبصرية فريدة. فمن خلال تقديمه باقة منتقاة من أشهر أعماله التي تغنى فيها بقصائد نزار قباني وغيره من كبار الشعراء، أعاد الساهر تأكيد مكانته كفنان استثنائي يمتلك قدرة فريدة على تطويع اللحن للكلمة. وقد شهدت الأمسية تفاعلًا لافتًا، حيث ردد الحضور معه كلمات الأغاني، في مشهد يعكس مدى ارتباط الجمهور بهذا الفن الرفيع وتأثير الساهر العابر للأجيال.
المواهب السعودية الواعدة: صوت الحاضر والمستقبل
لم تقتصر الأمسية على حضور القيصر، بل شهدت أيضًا مشاركة لافتة للموهبة السعودية الشابة نجد، التي أثبتت حضورًا فنيًا واثقًا وأداءً متقنًا للأغنية الفصيحة. يمثل ظهور نجد، إلى جانب مشاركة الفنان بدر حكيم في الليلة التي سبقتها، توجهًا استراتيجيًا للمهرجان نحو تمكين الأصوات السعودية الشابة ومنحها منصة مرموقة للظهور بجانب قامات فنية كبيرة. وأعربت نجد عن فخرها بهذه المشاركة، مؤكدة أن هذا الدعم يفتح آفاقًا واسعة للمواهب المحلية للمساهمة بفعالية في إثراء المشهد الفني العربي.
شراكة استراتيجية لتعزيز الثقافة
تُعد هذه النسخة من المهرجان ثمرة للشراكة الاستراتيجية الناجحة بين هيئة الموسيقى وشركة “بنش مارك”، وهي شراكة تعكس توجه وزارة الثقافة نحو تفعيل دور القطاع الخاص في تطوير وإدارة المشاريع الثقافية الكبرى. هذا التعاون لم يسهم فقط في تنظيم حدث فني عالمي المستوى، بل رسّخ قيمة المهرجان كمنصة ثقافية تعزز مكانة اللغة العربية وتفتح الباب أمام تجارب موسيقية مبتكرة. وبنجاحه الباهر، يؤكد المهرجان أن الغناء بالفصحى لا يزال قادرًا على التجدد وجذب الجماهير، وأن المملكة العربية السعودية تمضي قدمًا في ريادة المشهد الثقافي الإقليمي.