في خطوة تصعيدية جديدة ضمن حملة القمع المستمرة ضد الأصوات المستقلة والمجتمع المدني، أعلنت السلطات الروسية يوم الجمعة إدراج منظمة “هيومن رايتس ووتش” الدولية لحقوق الإنسان على قائمتها الرسمية للمنظمات “غير المرغوب فيها”. هذا القرار، الذي لم تقدم موسكو أي مبرر رسمي له، يمثل حظراً فعلياً وكاملاً لجميع أنشطة المنظمة داخل الأراضي الروسية، ويضع أي شخص يتعاون معها تحت طائلة الملاحقة القانونية.
سياق القرار والخلفية التاريخية
يأتي هذا الحظر كحلقة جديدة في سلسلة من الإجراءات التي تستهدف المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام المستقلة في روسيا، والتي تسارعت وتيرتها بشكل كبير منذ بدء الغزو الشامل لأوكرانيا في فبراير 2022. ففي أبريل من العام نفسه، كانت وزارة العدل الروسية قد ألغت بالفعل تسجيل مكتب هيومن رايتس ووتش في موسكو، إلى جانب مكاتب منظمات دولية أخرى بارزة مثل منظمة العفو الدولية، مما أجبرها على إغلاق أبوابها رسمياً. إلا أن تصنيفها كمنظمة “غير مرغوب فيها” يعد خطوة أشد قسوة، حيث يجرّم أي شكل من أشكال الارتباط بها.
ويستند هذا الإجراء إلى قانون “المنظمات غير المرغوب فيها” المثير للجدل الذي أقرته روسيا في عام 2015. يمنح هذا القانون المدعي العام سلطة حظر أي منظمة أجنبية أو دولية تُعتبر أنها تشكل تهديداً “لأسس النظام الدستوري أو القدرة الدفاعية أو أمن الدولة”. وقد استُخدم هذا القانون بشكل منهجي لإسكات الأصوات الناقدة وعزل الناشطين الروس عن المجتمع الدولي.
أهمية القرار وتأثيره المتوقع
على الصعيد المحلي، يعمق هذا القرار من عزلة المجتمع المدني الروسي ويخلق بيئة من الخوف، حيث يصبح مجرد التبرع للمنظمة أو المشاركة في فعالياتها أو حتى نشر تقاريرها جريمة قد تؤدي إلى غرامات باهظة أو السجن. كما أنه يحرم المواطنين الروس من أحد المصادر القليلة المتبقية للمعلومات الموثوقة والمستقلة حول حالة حقوق الإنسان في بلادهم والعالم.
أما على الصعيد الدولي، فيُعتبر حظر منظمة بحجم ومصداقية هيومن رايتس ووتش، التي تعمل منذ عقود على توثيق الانتهاكات في جميع أنحاء العالم بما في ذلك داخل روسيا نفسها، رسالة تحدٍ واضحة للمجتمع الدولي والمعايير العالمية لحقوق الإنسان. لطالما دانت المنظمة سلوك موسكو في الحرب على أوكرانيا، واتهمت الجيش الروسي بارتكاب “جرائم حرب” موثقة، وهي اتهامات تنفيها روسيا باستمرار. ويُنظر إلى هذا الحظر كرد فعل مباشر على عمل المنظمة في فضح هذه الانتهاكات. وينضم هذا القرار إلى قائمة طويلة من المنظمات الدولية التي تم حظرها بنفس الطريقة، مثل الصندوق العالمي للحياة البرية (WWF)، ومنظمة السلام الأخضر (Greenpeace)، ومنظمة الشفافية الدولية، مما يؤكد نهج الكرملين في قمع أي شكل من أشكال الرقابة الخارجية أو النقد المستقل.