خطوة استراتيجية نحو تعزيز الصحة النفسية في المملكة
في خطوة تعكس الاهتمام المتزايد بقطاع الصحة النفسية ضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030، وافق مجلس الوزراء السعودي على حزمة من التعديلات الجديدة على تنظيم المركز الوطني لتعزيز الصحة النفسية. تهدف هذه التعديلات إلى منح المركز استقلالية أكبر وتعزيز كفاءته التشغيلية، مما يمكنه من أداء مهامه بفعالية أكبر، مع ضمان عدم تحميل الميزانية العامة للدولة أي أعباء مالية إضافية.
السياق العام: الصحة النفسية كأولوية وطنية
يأتي هذا القرار في وقت يشهد فيه العالم والمملكة على وجه الخصوص، تزايداً في الوعي بأهمية الصحة النفسية كجزء لا يتجزأ من الصحة العامة وجودة الحياة. فبعد التحديات التي فرضتها جائحة كورونا، برزت الحاجة الملحة لتطوير بنية تحتية قوية ومستدامة لخدمات الصحة النفسية. وتنسجم هذه التعديلات مع برامج تحول القطاع الصحي ورؤية 2030 التي تضع صحة المواطن ورفاهيته في مقدمة أولوياتها، وتسعى إلى بناء مجتمع حيوي ينعم أفراده بحياة صحية وعامرة.
أبرز التعديلات وتأثيرها المتوقع
شملت التعديلات التي أقرها مجلس الوزراء عدة جوانب تنظيمية ومالية جوهرية، من أبرزها:
- الارتباط التنظيمي: تم تعديل عبارة “يرتبط المركز تنظيميًا بوزارة الصحة” لتصبح “يرتبط المركز تنظيمياً بوزير الصحة”. يعكس هذا التغيير منح المركز مرونة إدارية أكبر وصلاحيات أوسع، مما يسرّع من عملية اتخاذ القرار ويقلل من البيروقراطية، ويجعله أكثر استجابة للمتغيرات والاحتياجات المجتمعية.
- الاستقلالية المالية: نص التعديل الأهم على أن يكون للمركز “ميزانية سنوية مستقلة”. ستتكون إيراداته من الاعتمادات التي تخصصها له الدولة، بالإضافة إلى المقابل المالي للخدمات التي يقدمها. سيتم تحديد هذا المقابل بالاتفاق مع وزارة المالية ومركز تنمية الإيرادات غير النفطية، مما يفتح الباب أمام المركز لتنويع مصادر دخله وتحقيق الاستدامة المالية على المدى الطويل.
- حوكمة اللوائح: لضمان التكامل بين الجهات الحكومية، نصت التعديلات على أن إقرار اللوائح الإدارية للمركز يجب أن يتم بالاتفاق مع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، بينما تتطلب الأحكام ذات الأثر المالي في اللوائح الأخرى موافقة وزارة المالية. تضمن هذه الآلية حوكمة رشيدة لعمل المركز وتوافق قراراته مع الأنظمة الوطنية.
الأهمية والتأثير المستقبلي
تكمن أهمية هذه التعديلات في أنها تمثل نقلة نوعية في طريقة إدارة وتطوير خدمات الصحة النفسية في المملكة. فمن خلال منحه ميزانية مستقلة، سيتمكن المركز من التخطيط لمشاريعه وبرامجه التوعوية والعلاجية بشكل أفضل، وتوجيه الموارد نحو الأولويات الأكثر إلحاحاً، واستقطاب الكفاءات المتخصصة. على الصعيد المحلي، يتوقع أن تساهم هذه الخطوة في تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين والمقيمين، وتقليل قوائم الانتظار، وتوسيع نطاق الوصول إلى الرعاية النفسية في مختلف مناطق المملكة. أما إقليمياً، فإن هذا النموذج المتقدم في حوكمة قطاع الصحة النفسية يضع المملكة في مصاف الدول الرائدة في هذا المجال، ويقدم نموذجاً يمكن الاستفادة منه في المنطقة لتعزيز الصحة النفسية كركيزة أساسية للتنمية المستدامة.