أكدت الحكومة البلجيكية، بقيادة رئيس الوزراء ألكسندر دي كرو، موقفها الحذر والرافض للخطة التي يتبناها الاتحاد الأوروبي لاستخدام الأصول السيادية الروسية المجمدة لتمويل المجهود الحربي وإعادة إعمار أوكرانيا. هذا الموقف يضع بلجيكا في قلب جدل أوروبي معقد، نظراً لأنها تحتضن الجزء الأكبر من هذه الأصول، مما يهدد بعرقلة مساعي التكتل لإيجاد مصادر تمويل جديدة لكييف.
خلفية تجميد الأصول الروسية
في أعقاب الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في فبراير 2022، فرضت الدول الغربية، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع، حزمة عقوبات غير مسبوقة على موسكو. كان من أبرز هذه الإجراءات تجميد ما يقرب من 300 مليار يورو من أصول البنك المركزي الروسي المحتجزة في الخارج. ويحتفظ الاتحاد الأوروبي بالجزء الأكبر من هذه الأموال، حيث تقدر قيمتها بأكثر من 200 مليار يورو، يوجد حوالي 90% منها، أي ما يعادل 190 مليار يورو، في بلجيكا لدى شركة “يوروكلير” (Euroclear)، وهي واحدة من أكبر شركات إيداع وتسوية الأوراق المالية في العالم. هذا التركيز الهائل للأصول في بروكسل يمنح الموقف البلجيكي أهمية استثنائية في أي قرار أوروبي مشترك.
المخاوف البلجيكية: أبعاد قانونية ومالية
تتمحور تحفظات بلجيكا حول المخاطر القانونية والمالية الكبيرة التي قد تترتب على مصادرة هذه الأصول أو حتى استخدام أرباحها. وفي رسالة موجهة إلى قادة الاتحاد الأوروبي، تساءلت الحكومة البلجيكية عن الأساس القانوني لمثل هذه الخطوة، محذرة من أنها قد تمثل سابقة خطيرة في القانون الدولي. وأعربت بروكسل عن قلقها من أن تتحمل بلجيكا وشركة “يوروكلير” العبء الأكبر لأي إجراءات انتقامية قد تتخذها روسيا، والتي قد تشمل رفع دعاوى قضائية دولية ضخمة ومصادرة أصول غربية على أراضيها.
بالإضافة إلى ذلك، حذر البنك المركزي الأوروبي من أن المساس بمبدأ الحصانة السيادية للأصول قد يزعزع استقرار النظام المالي العالمي ويقوض ثقة المستثمرين الدوليين في اليورو كعملة احتياطية آمنة، مما قد يدفع دولاً أخرى لسحب احتياطاتها من البنوك الأوروبية.
ضغوط أوروبية وموقف دولي متباين
على الجانب الآخر، تمارس دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي، أبرزها ألمانيا ودول البلطيق وبولندا، ضغوطاً قوية للمضي قدماً في الخطة. وترى هذه الدول أن استخدام الأصول الروسية، أو على الأقل الأرباح الناتجة عنها، هو إجراء عادل وأخلاقي لإجبار روسيا على تحمل تكلفة الدمار الذي ألحقته بأوكرانيا، وتوفير مصدر تمويل حيوي ومستدام لكييف في ظل تراجع الدعم من مصادر أخرى. وتدعم الولايات المتحدة موقفاً أكثر تشدداً يدعو إلى المصادرة الكاملة للأصول.
وفي محاولة للتوصل إلى حل وسط، اقترحت المفوضية الأوروبية في البداية التركيز على استخدام الأرباح الاستثنائية (Windfall Profits) الناتجة عن إعادة استثمار هذه الأصول المجمدة، والتي تقدر بمليارات اليوروهات سنوياً، بدلاً من المساس برأس المال الأصلي. ورغم أن هذا الخيار أقل خطورة من الناحية القانونية، إلا أن بلجيكا لا تزال تطالب بضمانات ملزمة من جميع الدول الأعضاء لتقاسم المخاطر المحتملة بشكل جماعي قبل الموافقة على أي خطوة، مما يبقي الملف مفتوحاً على كافة الاحتمالات قبل القمم الأوروبية الحاسمة.