ليلة من زمن الفن الجميل في قلب العاصمة
في أمسية استثنائية أعادت للأذهان زمن الطرب الأصيل، شهد مسرح أبو بكر سالم في العاصمة السعودية، ضمن فعاليات موسم الرياض، تنظيم أمسية «ليالي الفنون الخالدة». هذه الليلة، التي نظمتها شركة بنش مارك وقادها المايسترو القدير أمير عبدالمجيد، لم تكن مجرد حفل موسيقي، بل كانت رحلة عبر الزمن إلى العصر الذهبي للأغنية العربية، حيث اجتمع نخبة من عمالقة الطرب لإحياء روائع كلاسيكية لا تزال محفورة في وجدان الجمهور العربي.
موسم الرياض ودوره في إثراء المشهد الثقافي
تأتي هذه الفعالية النوعية في سياق الدور المحوري الذي يلعبه موسم الرياض، كأحد أبرز مبادرات رؤية السعودية 2030، في تعزيز مكانة المملكة كوجهة عالمية للترفيه والثقافة. فالموسم لا يقتصر على استقطاب الفعاليات العالمية الحديثة فحسب، بل يولي اهتماماً كبيراً بالحفاظ على الموروث الثقافي والفني العربي وإعادة تقديمه للأجيال الجديدة. وتُعد «ليالي الفنون الخالدة» دليلاً واضحاً على هذا التوجه، حيث تسلط الضوء على قيمة الطرب الأصيل كجزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية العربية المشتركة.
أمسية طربية بامتياز
افتتح الفنان المغربي الكبير فؤاد زبادي أولى فقرات الحفل، حيث أطرب الحضور بصوته القوي وإحساسه العميق، مقدماً باقة من الأعمال الكلاسيكية الخالدة مثل «ما بيسألش عليّا أبداً»، «ساكن بحي السيدة»، و«يا صلاة الزين». وتفاعل الجمهور بشكل لافت مع أدائه الذي استحضر روح عمالقة الفن. وتقديراً لمسيرته الفنية الحافلة، أعلن موسم الرياض عن مبادرة فريدة لتكريم زبادي، تتمثل في إنتاج ألبوم طربي مصوّر بالكامل يتم تسجيله في استوديوهات مرواس، ومن المقرر طرحه في عام 2026، وهي خطوة تؤكد حرص المملكة على تكريم رموز الفن الأصيل.
من القدود الحلبية إلى روائع أم كلثوم
تواصلت الأجواء الطربية مع صعود الفنان السوري نور مهنا، الذي أبدع في تقديم مجموعة من الروائع العربية والقدود الحلبية التي تشتهر بها مدينة حلب، ناقلاً الحضور إلى أجواء الشرق الأصيلة بأدائه المميز. واختتمت الليلة مع صوت مصر القوي، الفنانة مي فاروق، التي أثبتت مرة أخرى أنها خير من يحمل راية الطرب في العصر الحديث. قدمت فاروق أداءً استثنائياً لأعمال خالدة مثل «ودارت الأيام»، «قارئة الفنجان»، و«سيرة الحب»، وسط تفاعل هائل من الجمهور الذي لم يتوقف عن التصفيق. وقد انعكس هذا النجاح بشكل مباشر على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تصدر اسمها قائمة الأكثر تداولاً في السعودية ومصر.
تأثير يتجاوز حدود المسرح
لم تكن «ليالي الفنون الخالدة» مجرد حدث عابر، بل رسالة ثقافية تؤكد على أن الفن الأصيل لا يموت. فعلى الصعيد المحلي، تلبي مثل هذه الفعاليات شغف شريحة واسعة من الجمهور السعودي والعربي المقيم في المملكة، وتعزز من التنوع في الخيارات الترفيهية. أما إقليمياً، فهي ترسخ مكانة الرياض كعاصمة للفن العربي، تحتضن المبدعين من كل أنحاء الوطن العربي وتوفر لهم منصة مرموقة لتقديم فنهم. إن نجاح هذه الأمسية يؤكد على أن الجمهور العربي لا يزال متعطشاً للطرب الأصيل، وأن هناك مساحة كبيرة لنمو هذا اللون الفني الراقي في ظل الدعم والاهتمام الذي يحظى به حالياً.