تستضيف منطقة الجوف، بتاريخها العريق وثقافتها الغنية، “مهرجان أطفال الثقافة”، الذي يمثل منصة إبداعية فريدة تهدف إلى إثراء خيال الأطفال وتنمية مهاراتهم عبر باقة متنوعة من التجارب التفاعلية وورش العمل المتخصصة. يقدم المهرجان، الذي تشارك فيه 11 هيئة ثقافية، فرصة استثنائية للأجيال الناشئة لاستكشاف عوالم الفنون والمعارف بأسلوب يجمع بين التعليم والترفيه، مما يرسخ لديهم حب الثقافة والارتباط بتراثهم الوطني.
خلفية ثقافية ورؤية وطنية
لا يأتي تنظيم هذا المهرجان كحدث معزول، بل يندرج ضمن استراتيجية شاملة تقودها وزارة الثقافة السعودية لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 في قطاع الثقافة. تسعى الرؤية إلى جعل الثقافة نمط حياة للمجتمع، وتعزيز الهوية الوطنية، وتنمية المواهب المحلية منذ الصغر. وتعتبر المهرجانات الموجهة للأطفال حجر زاوية في هذه الاستراتيجية، حيث تساهم في بناء جيل واعٍ ومبدع، قادر على التفاعل مع التراث السعودي الأصيل والانفتاح على الثقافات العالمية في آن واحد. اختيار منطقة الجوف، المعروفة بآثارها التاريخية ومزارع الزيتون الشاسعة، يضفي بعداً رمزياً على الحدث، حيث يربط الأطفال بتاريخ أرضهم العريق ويحفزهم على استلهام المستقبل من عبق الماضي.
ورش عمل متنوعة لإطلاق العنان للإبداع
يقدم المهرجان محتوى ثرياً يعكس تنوع القطاعات الثقافية في المملكة. ففي جناح هيئة فنون الطهي، يخوض الأطفال تحدياً ممتعاً في ورشة “خريطة الأكلات الشعبية”، حيث يتعرفون على التوزيع الجغرافي للأطباق التقليدية السعودية، مما يعزز معرفتهم بتنوع المطبخ المحلي. كما تتيح لهم ورشة “زراعة البن الخولاني” تجربة عملية متكاملة، من الزراعة إلى الحصاد، لتعريفهم بأحد أهم كنوز المملكة الزراعية المدرجة في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي.
وفي عالم الصورة، يفتح جناح هيئة الأفلام أبواب صناعة السينما للأطفال عبر ورشة “زوايا الكاميرا” التي تكشف أسرار تكوين المشاهد، وورشة “الرسوم المتحركة بالإيقاف” التي تمكنهم من تصميم شخصياتهم الخاصة وتحريكها لإنتاج أفلام قصيرة، مما ينمي لديهم مهارات السرد القصصي البصري. أما هيئة الأزياء، فتقدم ورشاً مبتكرة لتصميم الأزياء على مجسمات صغيرة وتلوين الأزياء السعودية التراثية رقمياً، لتعريفهم بجماليات وأصالة الزي السعودي. وتستكمل هيئة الفنون البصرية هذه التجربة بورش عمل في أساسيات التصوير والإضاءة والطباعة اليدوية، بينما تتيح هيئة الموسيقى للأطفال فرصة اكتشاف مواهبهم في الغناء الجماعي (الكورال) والعزف على الآلات الإيقاعية الشعبية.
الأهمية والتأثير المستقبلي
تكمن أهمية “مهرجان أطفال الثقافة” في تأثيره بعيد المدى، فهو لا يقتصر على كونه حدثاً ترفيهياً مؤقتاً، بل هو استثمار في رأس المال البشري للمملكة. من خلال هذه التجارب العملية، يكتسب الأطفال الثقة بالنفس، ويتعلمون مهارات العمل الجماعي وحل المشكلات، ويطورون قدراتهم على التفكير النقدي والإبداعي. على المستوى المحلي، يساهم المهرجان في تنشيط الحراك الثقافي والسياحي في منطقة الجوف. وعلى المستوى الوطني، يدعم هذا الحدث جهود بناء اقتصاد معرفي متنوع، حيث قد يصبح أطفال اليوم هم فنانو ومثقفو ومبدعو الغد الذين سيقودون المشهد الثقافي السعودي إلى آفاق عالمية جديدة.