حققت المنظومة الصحية في المملكة العربية السعودية إنجازاً رقمياً لافتاً خلال عام 2024م، حيث سجلت مراكز الرعاية الصحية الأولية التابعة لوزارة الصحة رقماً قياسياً في عدد المستفيدين، متجاوزة حاجز 41.2 مليون زيارة واستشارة طبية. يعكس هذا الرقم الضخم النقلة النوعية التي يشهدها القطاع الصحي، وتنامي ثقة المواطنين والمقيمين في جودة الخدمات المقدمة في الخطوط الأمامية للرعاية الصحية.
سياق التحول الصحي ورؤية 2030
لا يمكن قراءة هذه الأرقام بمعزل عن السياق العام لبرنامج تحول القطاع الصحي، أحد برامج رؤية المملكة 2030، الذي يهدف إلى إعادة هيكلة القطاع الصحي ليكون نظاماً صحياً شاملاً وفعالاً ومتكاملاً. وقد ركزت الاستراتيجية الوطنية للصحة بشكل كبير على تعزيز دور “الرعاية الصحية الأولية” باعتبارها الركيزة الأساسية للوقاية والعلاج، وتخفيف الضغط على المستشفيات المرجعية والتخصصية. ويأتي هذا الإقبال الكبير كثمرة لجهود تحسين البنية التحتية، وتسهيل الوصول للخدمات عبر التطبيقات الرقمية مثل “صحتي”، وتطبيق نموذج الرعاية الحديث.
هيمنة المواطنين وتفوق المنطقة الشرقية
أظهرت الإحصائيات الرسمية أن المواطنين شكلوا الغالبية العظمى من إجمالي المراجعين، حيث بلغ عدد زياراتهم 36.7 مليون زيارة، مما يؤكد نجاح الوزارة في تعزيز مفهوم “طبيب الأسرة” والرعاية الوقائية لدى المجتمع السعودي.
وعلى صعيد التوزيع الجغرافي، تصدر «تجمع الشرقية الصحي» المشهد الوطني كأكثر التجمعات الصحية نشاطاً واستقبالاً للمستفيدين. وسجل التجمع رقماً قياسياً بلغ 4,642,430 زيارة واستشارة، منها 4,126,729 زيارة للمواطنين السعوديين. يعكس هذا الرقم الكثافة السكانية العالية في المنطقة الشرقية، بالإضافة إلى كفاءة التجمع في إدارة الموارد وتغطية النطاق الجغرافي الواسع لمدن ومحافظات المنطقة.
ترتيب التجمعات الصحية: عسير وجازان في المقدمة
في سباق التميز بتقديم الخدمات، جاء «تجمع عسير الصحي» في المرتبة الثانية على مستوى المملكة، مقدمًا خدماته لأكثر من 3,487,754 مستفيداً، وهو ما يبرز القدرة التشغيلية العالية للمراكز الصحية في المنطقة الجنوبية. تلاه «تجمع جازان الصحي» في المركز الثالث بإجمالي 3,204,800 زيارة، ثم «تجمع القصيم الصحي» رابعاً بـ 3,150,842 زيارة، مما يظهر تقارباً في مستويات الأداء والطلب على الخدمات في هذه المناطق الحيوية.
واحتل «تجمع الرياض الصحي الثاني» المرتبة الخامسة، مسجلاً 3,064,022 زيارة، ليؤدي دوراً محورياً في خدمة سكان العاصمة والمحافظات التابعة لها. في المقابل، سجل «تجمع الجوف الصحي» 708,270 زيارة، وهو الرقم الأقل وطنياً، متماشياً مع التعداد السكاني للمنطقة.
الأهمية الاستراتيجية لهذه المؤشرات
تحمل هذه الأرقام دلالات هامة تتجاوز مجرد الإحصاء؛ فهي تشير إلى نجاح نموذج “التجمعات الصحية” الذي أطلقته الوزارة لتعزيز الللامركزية في تقديم الخدمات. كما أن ارتفاع معدلات الزيارة لمراكز الرعاية الأولية يعد مؤشراً صحياً إيجابياً، حيث يعني ذلك زيادة في الكشف المبكر عن الأمراض، وسيطرة أفضل على الأمراض المزمنة، وتقليل الهدر المالي والتشغيلي الناتج عن التوجه المباشر لأقسام الطوارئ في الحالات غير الطارئة.
