أحدثت منصة “إكس” (تويتر سابقاً) هزة قوية في الأوساط الرقمية خلال الساعات الماضية، عقب إطلاقها تحديثاً تقنياً جديداً يهدف إلى تعزيز الشفافية، ولكنه تسبب في الوقت ذاته في موجة من الجدل وكشف المستور حول حقيقة آلاف الحسابات. الميزة الجديدة التي تمكن المستخدمين من معرفة الموقع الجغرافي للحسابات، أدت إلى مفاجآت مدوية، لا سيما فيما يتعلق بحسابات كانت تدعي لسنوات أنها “سعودية” وتتحدث بلسان المواطن السعودي، ليتبين أنها تُدار من دول أخرى ومناطق جغرافية بعيدة تماماً.
تفاصيل الميزة التقنية وكيف تعمل
تتيح الأداة الجديدة التي تحمل اسم “حول هذا الحساب” (About this account) للمستخدمين الوصول إلى بيانات دقيقة لم تكن متاحة للعامة من قبل. وتشمل هذه البيانات الدولة التي يتم تشغيل الحساب منها، وتاريخ الإنشاء، وسجل تغييرات اسم المستخدم، بالإضافة إلى المتجر الذي تم تحميل التطبيق منه (سواء متجر أبل أو جوجل بلاي). والأكثر دقة في هذه الميزة هو قدرتها على اكتشاف وتنبيه المستخدم في حال كان الحساب المستهدف يستخدم تقنيات إخفاء الموقع مثل (VPN) أو الخوادم الوسيطة، حيث تظهر عبارة تحذيرية تفيد بأن الاتصال قد يكون عبر خادم وسيط، مما يضيق الخناق على محاولات التضليل.
سقوط الحسابات الوهمية والذباب الإلكتروني
فور تفعيل الميزة، رصد نشطاء سعوديون ورواد مواقع التواصل الاجتماعي اختفاءً مفاجئاً لعدد كبير من الحسابات التي كانت نشطة في الشأن المحلي السعودي. وقد تبين أن هذه الحسابات، التي طالما روجت لشائعات أو دخلت في سجالات وهمية، تُدار من دول معروفة بتجنيد “الذباب الإلكتروني” لتوجيه الرأي العام. وقد أدى هذا الكشف إلى مسارعة القائمين على تلك الحسابات إلى إغلاقها أو تغيير بياناتها في محاولة يائسة لتدارك الفضيحة، وهو ما اعتبره مراقبون انتصاراً للوعي الرقمي وكشفاً لحجم الاستهداف الممنهج.
سياق الحرب على “البوتات” ورؤية إيلون ماسك
لا يمكن فصل هذا التحديث عن السياق العام لسياسة المالك الجديد للمنصة، إيلون ماسك، منذ استحواذه عليها. فمنذ اليوم الأول، أعلن ماسك الحرب على الحسابات الآلية (البوتات) والحسابات المزيفة، معتبراً إياها الخطر الأكبر على مصداقية المنصة. وتأتي هذه الخطوة استكمالاً لسلسلة من الإجراءات، بدأت بفرض رسوم على التوثيق (العلامة الزرقاء) للتحقق من الهوية المالية للمستخدمين، ووصولاً إلى كشف البيانات الجغرافية والتقنية للحسابات، وذلك في إطار سعيه لتحويل “إكس” إلى “ساحة المدينة الرقمية” الأكثر موثوقية في العالم.
الأهمية الاستراتيجية لتعزيز الثقة الرقمية
يكتسب هذا الحدث أهمية بالغة تتجاوز البعد التقني لتصل إلى الأمن المعلوماتي والسيادة الرقمية. ففي ظل تصاعد حروب الجيل الرابع والخامس التي تعتمد على المعلومات المضللة (Disinformation)، تعد هذه الميزة سلاحاً فعالاً في يد المستخدم العادي للتحقق من مصادر المعلومات. إن معرفة الموقع الجغرافي للحساب وتاريخه يساعد في فرز الأصوات الحقيقية عن تلك المصطنعة والموجهة، مما يعزز من سلامة البيئة الرقمية ويحد من تأثير الحملات الخارجية التي تستهدف استقرار المجتمعات، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط التي تشهد تفاعلات سياسية واجتماعية نشطة.
إكس: خطوة نحو التفاعل الحقيقي
وفي تعليق رسمي حول التوجه الجديد، أكدت إدارة منصة “إكس”، وعلى لسان نيكيتا بير، رئيس المنتجات، أن الهدف الأساسي هو الحد من التفاعل غير الحقيقي. وترى المنصة أن إظهار البيانات التقنية الأساسية يسهم بشكل مباشر في تمكين المستخدمين من تقييم مصداقية الحسابات التي يتابعونها، مما يقلل من فرص انتشار الأخبار الكاذبة والشائعات المغرضة التي تعتمد في انتشارها على جيوش من الحسابات الوهمية مجهولة المصدر.