في خطوة قضائية هامة، أصدرت محكمة باريس التجارية حكماً يلزم شركة “جوجل” العملاقة بدفع تعويضات بقيمة 51.5 مليون يورو لموقع مقارنة الأسعار الفرنسي “توينغا”. ويأتي هذا الحكم تتويجاً لمعركة قانونية طويلة، حيث وجدت المحكمة أن الشركة الأمريكية قد أساءت استغلال موقعها المهيمن في سوق البحث على الإنترنت للإضرار بمنافسيها.
وعلى الرغم من أن المبلغ المحكوم به يمثل جزءاً بسيطاً من التعويضات التي طالبت بها “توينغا”، والتي بلغت 936 مليون يورو، إلا أن الحكم يعتبر انتصاراً رمزياً ومادياً للشركة الفرنسية ويشكل سابقة قضائية مهمة. شملت مطالبة “توينغا” بالتعويض الأضرار التي لحقت بها في أسواق رئيسية متعددة، بما في ذلك فرنسا، إيطاليا، المملكة المتحدة، ألمانيا، إسبانيا، وهولندا، وهي الدول التي تشكل مجتمعةً أكثر من 90% من إيراداتها.
خلفية الصراع الطويل مع ممارسات جوجل الاحتكارية
لا يمكن فهم هذا الحكم بمعزل عن السياق التاريخي للتدقيق التنظيمي الذي تواجهه جوجل في أوروبا. تعود جذور القضية إلى سنوات مضت، حين بدأت شركات مقارنة الأسعار في تقديم شكاوى ضد جوجل، متهمة إياها بتعمد تفضيل خدمتها الخاصة “Google Shopping” في صفحات نتائج البحث، وفي الوقت نفسه تخفيض ترتيب المنافسين أو دفن نتائجهم في الصفحات اللاحقة. هذه الممارسات، بحسب الشكاوى، حرمت المنافسين من حركة المرور الحيوية وأدت إلى تآكل حصتهم في السوق.
بلغ هذا الصراع ذروته في عام 2017، عندما فرضت المفوضية الأوروبية غرامة قياسية على جوجل بلغت 2.42 مليار يورو بسبب هذه الممارسات المانعة للمنافسة. وقد تم تأييد هذا القرار بشكل نهائي من قبل محكمة العدل الأوروبية، مما فتح الباب أمام الشركات المتضررة مثل “توينغا” لرفع دعاوى قضائية فردية في المحاكم الوطنية للمطالبة بتعويضات عن الأضرار التي لحقت بها.
أهمية الحكم وتأثيره المتوقع
يحمل حكم محكمة باريس التجارية أهمية تتجاوز قيمته المالية. فعلى المستوى المحلي، يمثل دعماً للشركات الفرنسية الصغيرة والمتوسطة في مواجهة هيمنة عمالقة التكنولوجيا. أما على المستوى الأوروبي، فيعزز الحكم من فعالية قوانين المنافسة في الاتحاد الأوروبي، ويؤكد أن قرارات المفوضية الأوروبية يمكن أن تترجم إلى تعويضات ملموسة للضحايا. كما أنه يشجع الشركات الأخرى التي تضررت من ممارسات مماثلة على المضي قدماً في مساراتها القانونية.
دولياً، يضيف هذا الحكم فصلاً جديداً إلى السجل المتنامي للقضايا التنظيمية والقانونية ضد “جوجل” وغيرها من شركات التكنولوجيا الكبرى حول العالم. إنه يسلط الضوء على الإجماع العالمي المتزايد على ضرورة كبح الممارسات الاحتكارية في الاقتصاد الرقمي لضمان وجود سوق عادلة ومفتوحة للجميع، وهو ما تسعى تشريعات جديدة مثل “قانون الأسواق الرقمية” (DMA) في أوروبا إلى تحقيقه بشكل استباقي.