في موقف دولي موحد، أصدرت كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة بيانًا مشتركًا شديد اللهجة، أدانت فيه التصاعد الخطير في اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين ضد المدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة. ويأتي هذا البيان في أعقاب تقارير مقلقة من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، الذي وثّق 264 هجومًا خلال شهر أكتوبر الماضي وحده، وهو ما يمثل أعلى معدل شهري يتم تسجيله منذ بدء توثيق هذه البيانات في عام 2006.
خلفية تاريخية وسياق التصعيد
تعود جذور قضية عنف المستوطنين إلى عقود من الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية منذ عام 1967. وتعتبر المستوطنات الإسرائيلية، التي يسكنها مئات الآلاف من المستوطنين، غير شرعية بموجب القانون الدولي، وتحديدًا اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر على القوة المحتلة نقل سكانها إلى الأراضي التي تحتلها. لطالما شكلت هذه الاعتداءات، التي تتراوح بين إتلاف المحاصيل الزراعية والاستيلاء على الأراضي ومهاجمة المنازل والاعتداء الجسدي، مصدرًا رئيسيًا للاحتكاك وعدم الاستقرار. إلا أن الفترة الأخيرة شهدت تكثيفًا غير مسبوق لهذه الهجمات، مما خلق بيئة من الخوف والترهيب تهدف إلى تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، خاصة في المناطق المصنفة “ج” الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية الكاملة.
أهمية الموقف الأوروبي وتداعياته
أكد وزراء خارجية الدول الأوروبية الأربع في بيانهم أن استمرار هذا العنف لا يهدد الاستقرار المحلي فحسب، بل يقوّض بشكل مباشر الجهود الدولية الرامية إلى تحقيق سلام عادل ودائم قائم على حل الدولتين. ودعا البيان الحكومة الإسرائيلية إلى تحمل مسؤولياتها بموجب القانون الدولي، والتي تُلزمها بحماية السكان المدنيين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وشدد على ضرورة محاسبة مرتكبي أعمال العنف وتقديمهم للعدالة.
ولم تقتصر الإدانة على عنف الأفراد، بل شملت أيضًا السياسات الاستيطانية الرسمية. حيث أشار البيان إلى رفضه القاطع لجميع أشكال الضم والاستيطان، منتقدًا بشكل خاص المصادقة على مشروع مستوطنة (E1) المثير للجدل، والموافقة على بناء آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة منذ بداية العام، واصفًا إياه بأنه “مستوى غير مسبوق يستدعي التراجع الفوري عنه”.
التأثير الاقتصادي والسياسي
تطرق البيان الأوروبي أيضًا إلى الضغوط الاقتصادية التي تواجهها السلطة الفلسطينية، منتقدًا قرار إسرائيل احتجاز عائدات الضرائب الفلسطينية. ودعت الدول الأربع إلى الإفراج الفوري عن هذه الأموال، مؤكدة على أهميتها الحيوية في دعم الخدمات العامة الأساسية للشعب الفلسطيني ومنع انهيار الوضع الاقتصادي الهش أصلًا. وفي ختامه، جددت الدول الأوروبية التزامها الراسخ بحل الدولتين باعتباره “الطريق الوحيد لتحقيق سلام عادل وشامل”، مما يعكس القلق الدولي المتزايد من أن الإجراءات الأحادية على الأرض تجعل هذا الحل بعيد المنال بشكل متزايد.