في خطوة تاريخية تهدف إلى إعادة تشكيل مستقبل الصناعة العالمية، اتفقت الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (UNIDO) بالإجماع على “إعلان الرياض”. جاء هذا الاتفاق في ختام أعمال الدورة الحادية والعشرين للمؤتمر العام للمنظمة، التي استضافتها العاصمة السعودية الرياض، بمشاركة ممثلين عن أكثر من 173 دولة، ليرسم الإعلان رؤية موحدة لمواجهة التحديات العالمية عبر تعزيز التنمية الصناعية الشاملة والمستدامة.
السياق العام وأهمية المؤتمر
تأسست منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) في عام 1966 كوكالة متخصصة تابعة للأمم المتحدة، وتتمثل مهمتها الأساسية في تعزيز وتسريع التنمية الصناعية الشاملة والمستدامة في الدول النامية والاقتصادات التي تمر بمرحلة انتقالية. يأتي انعقاد المؤتمر العام في الرياض في وقت حاسم يواجه فيه العالم تحديات متعددة، أبرزها التعافي من جائحة كوفيد-19، واضطرابات سلاسل الإمداد العالمية، وتفاقم أزمة المناخ، والحاجة الملحة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs) بحلول عام 2030. وتتوافق استضافة المملكة لهذا الحدث العالمي مع مستهدفات رؤية السعودية 2030، التي تضع التنويع الاقتصادي والتنمية الصناعية في صميم استراتيجيتها الوطنية للتحول من الاعتماد على النفط إلى اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار.
أبرز محاور إعلان الرياض
يجدد “إعلان الرياض” التزام المجتمع الدولي بدفع عجلة التنمية المستدامة والقضاء على الفقر بجميع أشكاله. وتقر الدول الأعضاء من خلاله بأن التنمية الصناعية الشاملة والمستدامة هي الركيزة الأساسية لرفع الإنتاجية، وتوفير فرص عمل لائقة، وتمكين النساء والشباب، وتحقيق نمو اقتصادي مستدام. ويركز الإعلان على عدة محاور رئيسية:
- تعزيز التعاون متعدد الأطراف: الدعوة إلى تضافر الجهود الدولية لمواجهة التحديات المشتركة وتسريع تحقيق أهداف التنمية المستدامة، خاصة الهدف التاسع المتعلق بالصناعة والابتكار والبنية التحتية.
- عدالة سلاسل الإمداد: التركيز على بناء سلاسل قيمة عالمية أكثر مرونة وعدالة واستدامة، تضمن توزيعًا منصفًا للفوائد بين جميع الدول.
- الابتكار ونقل التكنولوجيا: تشجيع الابتكار ودعم نقل التكنولوجيا الحديثة إلى الدول النامية لتعزيز قدراتها الصناعية.
- الأمن الغذائي: رسم تصور لعالم يتحقق فيه الأمن الغذائي عبر منظومات زراعية وصناعات غذائية قوية، ودعم الاستثمارات في التصنيع الزراعي.
التأثير المتوقع والمبادرات المستقبلية
لا يقتصر تأثير “إعلان الرياض” على كونه وثيقة سياسية، بل يطرح مبادرات عملية ذات أثر بعيد المدى. من أبرز هذه المبادرات التوصية بدراسة إنشاء “منصة دولية مستدامة للتصنيع”، لتكون بمثابة حاضنة عالمية للمعرفة والتقنيات المبتكرة وفرص الاستثمار، بهدف تحفيز القطاع الخاص على المشاركة في تقديم حلول صناعية واسعة النطاق. كما يدعم الإعلان مبادرة تأسيس “اليوم العالمي للمرأة في الصناعة”، إيمانًا بدورها المحوري في التنمية. على الصعيد الدولي، يحث الإعلان على توسيع الدعم لجهود التصنيع في أفريقيا وتلبية احتياجات الدول الأقل نموًا والدول الجزرية الصغيرة. وباعتماد هذا الإعلان من أراضيها، ترسخ المملكة مكانتها كمنصة عالمية مؤثرة في صياغة أجندة التنمية الصناعية، وتدشن مرحلة جديدة من دورها كقوة صناعية عالمية تربط بين المبادرات الوطنية والشراكات الأممية.