في خطوة تعكس التحولات الاقتصادية والاجتماعية العميقة التي تشهدها، أكدت المملكة العربية السعودية خلال الدورة الحادية والعشرين للمؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) المنعقد في الرياض، على أن مشاركة المرأة في القطاعات الصناعية لم تعد مجرد قضية مساواة، بل أصبحت ميزة تنافسية حاسمة للاقتصادات الحديثة وركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة.
السياق العالمي: دور اليونيدو ورؤية 2030
تأسست منظمة اليونيدو كوكالة متخصصة تابعة للأمم المتحدة بهدف تعزيز وتسريع التنمية الصناعية الشاملة والمستدامة في الدول النامية. ويُعد المؤتمر العام، الذي يُعقد كل عامين، المنصة العليا لصنع السياسات الصناعية العالمية. استضافة الرياض لهذا الحدث الهام تأتي في سياق متناغم مع أهداف “رؤية المملكة 2030″، التي تضع التنويع الاقتصادي والتحول الصناعي وتمكين المرأة في صميم استراتيجيتها الوطنية. وتبرز هذه الاستضافة الدور المتنامي للمملكة كلاعب محوري في رسم ملامح مستقبل الصناعة العالمية.
كلمة المملكة: أبعاد اقتصادية واستراتيجية
خلال حلقة نقاش رفيعة المستوى، ألقى سفير خادم الحرمين الشريفين لدى النمسا والمندوب الدائم لدى الأمم المتحدة في فيينا، الدكتور عبدالله بن خالد طولة، كلمة سلط فيها الضوء على الدور المحوري للمرأة في إعادة تشكيل الصناعة الحديثة. وأكد السفير طولة أن دمج المرأة في مختلف القطاعات الصناعية، خاصة في المجالات المتقدمة مثل الطاقة المتجددة والتصنيع الرقمي، ليس مجرد ضرورة اجتماعية، بل هو ضرورة استراتيجية لتعزيز القدرة التنافسية الوطنية. وأوضح أن وجهات النظر المتنوعة التي تقدمها المرأة تساهم بشكل مباشر في زيادة الابتكار، وتحسين جودة الإنتاج، وتعزيز مكانة الدول في الأسواق العالمية.
استقطاب الكفاءات النسائية وتأثيره على الاقتصاد
أشار الدكتور طولة إلى أن الدول التي تستثمر بشكل منهجي في استقطاب وتطوير الكفاءات النسائية تحقق مزايا واضحة في الاقتصاد القائم على المعرفة. وتشمل هذه المزايا تعزيز مرونة سلاسل الإمداد، ورفع كفاءة العمليات التشغيلية، وزيادة القدرة على التكيف مع التحولات السريعة في البيئة الصناعية العالمية. واستشهد بالتحول الاقتصادي الذي تشهده المملكة، حيث تضاعفت معدلات مشاركة المرأة في سوق العمل منذ إطلاق الرؤية في عام 2016 لتتجاوز نسبة 35%، مما يعكس الجدوى الاقتصادية القوية لهذه السياسات. وأضاف قائلاً: “القضية هنا هي قضية ميزة اقتصادية، فالنساء اليوم منخرطات بشكل متزايد في القطاعات الصاعدة، ما يجعل صناعاتنا أكثر قدرة على التكيف والاستعداد للمستقبل”.
الأثر المتوقع: محلياً ودولياً
على الصعيد المحلي، يعزز هذا التوجه من تحقيق أهداف رؤية 2030 في تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط، من خلال الاستفادة من كامل طاقات المجتمع. أما على الصعيدين الإقليمي والدولي، فإن تبني المملكة لهذه الرؤية وتقديمها كنموذج ناجح يرسخ مكانتها كقوة اقتصادية حديثة وملهمة، تلتزم بتحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، وتحديداً الهدف الخامس المتعلق بالمساواة بين الجنسين والهدف التاسع الخاص بالصناعة والابتكار. واختُتمت الجلسة بالتأكيد على أن الدول التي تضع تمكين المرأة في قلب استراتيجيتها الصناعية ستمتلك ميزة تنافسية حاسمة في عصر الصناعة الجديد.